ننشر حيثيات حكم الإدارية العليا بمصرية جزيرتى تيران وصنافير

ننشر حيثيات حكم الإدارية العليا بمصرية جزيرتى تيران وصنافير
ننشر حيثيات حكم الإدارية العليا بمصرية جزيرتى تيران وصنافير
قالت المحكمة الادارية العليا بمجلس الدولة فى حيثيات حكمها اليوم بمصرية جزيرتى تيران وصنافير أن توقيع الحكومة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية بما ينطوى عليه من التنازل عن الجزيرتين ( تيران وصنافير ) هو عمل إدارى يخضع لولاية محاكم مجلس الدولة طبقًا لأحكام المادة (190) من الدستور باعتباره من المنازعات الإدارية ، وقضت برفض الدفع المبدى من المدعى عليهم بصفتهم بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعويين.

وفيما يلى ننشر حيثيات الحكم :

صدر الحكم برئاسة المستشار أحمد محمد صالح الشاذلى نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة وعضوية المستشارين الدكتور محمد أحمد عبد الوهاب خفاجى، محمود شعبان حسين رمضان، مبروك محمد على حجاج نواب رئيس مجلس الدولة وبحضور المستشار محمد محمود اسماعيل رسلان.

بعد الإطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والإطلاع على تقرير هيئة مفوضى الدولة والمذكرات والمستندات المقدمة من أطراف الخصومة، وبعد إتمام المداولة قانونًا.

ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص حسبما يبين من أوراق الطعن فى أن المطعون ضدهم خصومًا أصليين ومتدخلين كانوا قد أقاموا الدعويين رقمى 43709 , 43866 لسنة 70 قضائية أمام محكمة القضاء الإدارى مستهدفين بها الحكم بوقف تنفيذ ثم إلغاء توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية الموقعة فى شهر أبريل سنة 2016 المتضمنة التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، وما يترتب على ذلك من اَثار.

وبجلسة 12 يونيو 2016 أصدرت محكمة القضاء الإدارى، الدائرة الأولى، حكمها الطعين الذى قضى " أولًا.. برفض الدفع بعدم اختصاصها ولائيًا بنظر الدعويين وباختصاصها بنظرهما، وثانيًا.. بقبول الدعويين شكلا وببطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية الموقعة فى أبريل سنة 2016 المتضمنة التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها استمرار هاتين الجزيرتين ضمن الإقليم البرى المصرى وضمن حدود الدولة المصرية واستمرار السيادة المصرية عليهما وحظر تغيير وصفهما بأى شكل لصالح أية دولة أخرى وذلك على النحو المبين بالأسباب وألزمت جهة الإدارة المصاريف.

وشيدت قضاءها، بما يقوم به جوهر حكمها، على أن العمل المنوه عنه يتضمن التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية حال كون هاتين الجزيرتين ضمن الإقليم المصرى خاضعتان للسيادة المصرية الكاملة وهو أمر مخالف ومصادم لنص المادة 151 من دستور جمهورية مصر العربية الصادر فى 18 يناير 2014 والذى حظر إبرام أى اتفاق يتضمن التنازل عن أى جزء من الإقليم المصرى .

ومن حيث إن الطاعنين بصفاتهم حسبما ورد بتقرير الطعن والمذكرة المقدمة بجلسة 22/10/2016 يطلبون الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه ثم إحالة الطعن إلى دائرة الموضوع بالمحكمة الإدارية العليا لتقضي بقبول الطعن شكلًا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضي به منطوقه، والقضاء مجددًا، أصليًا: بعد اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعوى ، واحتياطيًا : بعدم قبول الدعوى لإنتفاء القرار الإدارى ، ومن باب الاحتياط الكلي : برفض الدعوى ، مع إلزام المطعون ضدهم المصروفات عن درجتى التقاضى.

وقد سطر الطاعنون أسباب الطعن بتقرير الطعن ومذكرات الدفاع المشار إليها ، ومجمل الأسباب المشار إليها تنصرف إلى أن الحكم المطعون فيه قد صدر مشوبًا بالخطأ فى تطبيق القانون فيما يتعلق بنفى صفة الخصومة عن الطاعن الثالث بصفته ( رئيس مجلس النواب ) ومخالفة الحكم للقانون فيما قضي به من رفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة والقضاء عمومًا ولائيًا بنظر الدعويين على سند حاصله أن المشرع أخرج الأعمال التى تتصل بسيادة الدولة سواء الداخلية أو الخارجية من ولاية المحاكم عمومًا ، وأن قضاء المحكمة المطعون فيه قد خالف المستقر عليه من قضاء المحكمة الدستورية العليا والمحكمة ذاتها فى منازعات مماثلة.

خاصة وأن طلبات المدعين فى الدعوى تتمخض عن استدعاء ولاية القضاء واستنهاض رقابته بشأن أمر يتعلق باختصاص أصيل محجوز دستوريًا لمجلس النواب ويمثل تدخلًا وإهدارًا لمبدأ الفصل بين السلطات، بحسبان المجلس هو الجهة الوحيدة القائمة على شئون التشريع وسن وإصدار القوانين، والمنوط به الموافقة على ما يبرمه رئيس الجمهورية من معاهدات مع الدول الأخرى ، وإن ما قامت به الحكومة فى النزاع المطروح باشرته بوصفها سلطة حكم بخصوص ترسيم الحدود بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية ، وإنه أصبح محلًا للدراسة من قبل لجان مجلس النواب المختصة، وفقًا لكتاب هيئة قضايا الدولة الذى ورد بعد حجز الطعن للحكم والمتضمن إحالتها إلى مجلس النواب.

وسترجئ المحكمة ما اُشير إليه بتقرير الطعن بشأن اختصام رئيس مجلس النواب إلى موضع اَخر فى أسباب الحكم.

ومن حيث إنه عن طلب التدخل إنضماميًا سواء للمطعون ضدهم أو لجهة الادارة الطاعنة فإن قانون مجلس الدولة قد خلا من أى نص يتعلق بالتدخل فى الدعوى، ومن ثم يسرى بشأنه ما ورد بقانون المرافعات المدنية والتجارية .ولما كان المشرع أجاز التدخل فى الدعوى بالإجراءات المعتادة لرفعها قبل يوم الجلسة أو بطلب يقدم شفاهة فى الجلسة فى حضورهم ويثبت فى محضرها على أن يقدم الطلب قبل اقفال باب المرافعة.

وينقسم التدخل لنوعين : أولهما :التدخل الإنضمامى وفيه يبدى المتدخل ما يراه من أوجه دفاع لتأييد طلب الخصم الذي تدخل إلى جانبه ، دون أن يطلب القضاء لنفسه بحق ما فالمتدخل يبغى من تدخله المحافظة على حقوقه عن طريق الانضمام ويقصد به تأييد أحد الخصوم دفاعًا عن حقوقه فى الدعوى، ويجوز طلبه ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف ، عملًا بنص الفقرة الثانية من المادة (236) من قانون المرافعات.

وثانيهما : التدخل الهجومى أو الخصامى ويقصد به المتدخل المطالبة بحق ذاتي يدعيه لنفسه فى مواجهة طرفى الخصومة.

ويشترط لقبوله شرطان : أولهما أن يدعى طالب التدخل لنفسه حقًا، ومن ثم يشترط فيه المصلحة التى تبرر قبول التدخل فى هذه الحالة كل الشروط اللازمة لقبول الدعوى وهى أن تكون المصلحة قانونية حالة وقائمة، شخصية ومباشرة.

وثانيهما قيام الارتباط بين الطلب الأصلي الذى يسعى المتدخل للحكم لنفسه به وبين الدعوى الأصلية ووجود هذا الارتباط هو الذى يبرر تقديم هذا الطلب .ولذا فإن التدخل الهجومى يجيز للمتدخل أن يطلب الحكم لنفسه بحق ذاتى يدعيه في مواجهة طرفي الخصومة سواء تعلق طلبه بذات الحق المتنازع عليه أو بجزء منه أو بطلب آخر يتميز عن الطلب الأصلى ولكن مرتبط به قاصدًا من تدخله الحصول على حكم فى مواجهة طرفى الدعوى.

ولذا فإنه لا يجوز إبداؤه لأول مرة أمام محكمة الطعن حتى لا تفوت درجة من درجات التقاضى، ومتى كان طالبوا التدخل إنضماميًا قد طلبوا التدخل إنضماميًا شفاهة فى الجلسة فى مواجهة الخصوم واُثبت ذلك فى محضر الجلسة، وكانت لهم مصلحة مشروعة فى التدخل قوامها إما اثبات مشروعية تصرف جهة الادارة أو عدم مشروعيته ومن ثم فإنه يتعين والحال كذلك قبول تدخلهم إنضماميًا فى الطعن، والاكتفاء بذكر ذلك فى الأسباب عوضًا عن المنطوق.

ومن حيث إن الدفع المبدى من المطعون ضدهم بعدم قبول الطعن لانتفاء مصلحة الطاعنين بصفاتهم غير سديد، ذلك أن الطاعنين بصفاتهم، وينوب عنهم هيئة قضايا الدولة لهم مصلحة محققة ومشروعة فى الطعن من وجهين أولهما : إثبات سلامة الاجراء الذى اتخذته الحكومة ونفى تصادمه مع أحكام الدستور والقانون وإثبات ولاية مجلس النواب وحده فى هذا الشأن باعتباره اختصاصًا محجوزًا دستوريًا له وسبيلها إلى ذلك مباشرة اجراءات الطعن .وثانيهما ستعرض له المحكمة فى ثنايا أسباب حكمها.

وحيث إن الحكم المطعون فيه ، واستند إلى أحكام المواد 97 ، 151 ، 190 من الدستور الحالي وفيما تضمنته من حظر إبرام أية معاهدة أو اتفاقية يتوقف عليها التنازل عن أي جزء من اقليم الدولة ، وأن مصطلح الإبرام أعم وأشمل من مصطلح إقرار المعاهدات ، وأن هذا الحظر يمتد إلى السلطة التنفيذية ويحظر عليها اتخاذ أى عمل من أعمال الإبرام بما فيها التوقيع إذا كانت المعاهدة تخالف الدستور أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من الإقليم وهو حظر وقائى ومطلق، وأن لإقليم الدولة قداسة بالمعنى الوطنى وحرمة بالمعنى القانونى، وأنه يشكل وحدة واحدة لا سبيل إلى التنازل عن أى جزء منه ، وأسس الدستور فكرة الاختصاص الممنوع أو المحظور على السلطة التنفيذية فى مجال ابرام المعاهدات الدولية.

وخلصت المحكمة إلى أن توقيع الحكومة على الاتفاقية بما ينطوى عليه من التنازل عن الجزيرتين ( تيران وصنافير ) هو عمل إدارى يخضع لولاية محاكم مجلس الدولة طبقًا لأحكام المادة (190) من الدستور باعتباره من المنازعات الإدارية ، وقضت برفض الدفع المبدى من المدعى عليهم بصفتهم بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعويين.

ومن حيث إن تقرير الطعن ومذكرات هيئة قضايا الدولة والمذكرات المقدمة من المطعون ضدهم والخصوم المتدخلين فى الدعوى قد أشارت فى غير موضع إلى سيادة الدولة ، والفصل بين السلطات والتوازن بينها ، وتلازم المسئولية مع السلطة ، ونظرية أعمال السيادة ، ولأهمية النزاع المعروض فإن هذه المحكمة تبسط قضاءها على عُمد من التأصيل الواجب قبل أن تقطع بقضاء بات فى سلامة الحكم المطعون فيه وصحة السبب أو الأسباب التى قام عليها تقرير الطعن.

وتؤكد المحكمة علي أن للسيادة معنى سلبى وآخر ايجابى ، والمعنى السلبى يقطع الاستقراء التاريخي له بأنها قد بدأت كفكرة سياسية ثم تحولت إلى فكرة قانونية , وينصرف إلى عدم خضوع الدولة لسلطة دولة أخرى ، وعدم وجود سلطة أخرى مساوية لسلطة الدولة فى داخل حدود البلاد.

أما المعنى الإيجابى فإنه ينصرف إلى سلطة الأمر والزجر فى داخل البلاد وتمثيل الدولة وترتيب حقوق لها والتزامات عليها ، والمعنى المنضبط إنها تمثل وظيفة الحكم التى تظهر فى الوظيفة التشريعية والتنفيذية والقضائية ومجرد الاستناد إلى هذا المعنى الإيجابى للسيادة لا يكفى وحده تبريرًا لعدم الخضوع للرقابة القضائية بحسبان الخضوع لرقابة القضاء لا يتنافى فى ذاته مع فكرة سيادة الدولة بالمعنى الإيجابى والفصل فى المنازعات وإرساء قواعد العدالة والمحافظة على حقوق الدولة وحريات الأفراد – أحد مظاهر السيادة العامة.

والقول بغير ذلك يحيى فكرة اندثرت فى العالم والفهم القانونى كانت تقوم على أساس أن السيادة حق أصيل للحاكم وهو مالكها ( نظريات الحق الإلهى ) ، ومع ظهور مبدأ سيادة الأمة بعد نجاح الثورة الفرنسية - الدساتير الفرنسية البالغة 16 دستورًا منذ الثورة الفرنسية ومنذ دستور 1793 الذى لم يطبق بتاتًا وعلى حد تعبير الفرنسيين mort née أى ولد ميتًا ودستور 1875 الذى أُلغى بعد غزو الألمان فرنسا ودخولهم باريس عام 1940- ، استقر فى الوجدان القانونى أن صاحب السيادة هو مجموع المواطنين ، ولم تعد هيئة من هيئات الدولة مالكة للسيادة وإنما تباشرها كوكيلة عن الشعب ، ولا يمنع ذلك من القول بأن هناك نوع من الأعمال التى تصدر عن السلطة التنفيذية لا تخضع لرقابة القضاء ، وأن مرجع الإعفاء ليس فكرة السيادة وإنما أسباب قانونية أخرى.

وإذا كان من المستقر عليه فقهًا وقضاءً أن أعمال السيادة تتفق مع العمل الإدارى فى المصدر والطبيعة ويختلفا فى السلطة التى تباشر بها السلطة التنفيذية العمل ذاته ، مع تقرير وسائل مختلفة للحد من آثار أعمال السيادة التى قد تؤثر سلبًا فى حقوق الافراد وحرياتهم إلا أن أنجع الوسائل لرقابة أعمال السيادة هو اللجوء إلى القضاء ، والقضاء هو من يحدد أعمال السيادة بحثًا عن اختصاصه للفصل فى النزاع المعروض ، فإذ استوى العمل من حيث سلطة إصداره وطبيعته بأنه من أعمال السيادة قضى بعدم اختصاصه.

ولا ريب أن القاضي عندما يباشر الاختصاص المعقود له بتحديد ما يعتبر من أعمال السيادة ليلحق به حصانة تعصمه من رقابة القضاء ليس مطلق اليد حر التقدير وإلا خرج على فكرة السيادة بالمعنى المشار إليه آنفًا ، وإنما يحكمه التنظيم القانونى لممارسة السلطة الموصوفة بأنها عمل من أعمال السيادة ، والنزاع الذى صدر بشأنه العمل ، ثم يستخلص القاضى المتروك له تحديد طبيعة العمل فى إطار اختصاصه وظروف ومستندات النزاع المعروض عليه ، وهو ما يقطع - بداءةً – بعدم صحة المقارنة بين مسلك المحاكم حال تحديد طبيعة العمل وكونه من أعمال السيادة فى الأنزعة المختلفة بحسبان سلامة الحكم ترتبط بالحالة المعروضة كُل على حدة.

ومن حيث إن تغيير الدساتير أو تعديلها يكون مرتبطًا إما بسقوط أنظمة الحكم أو تغييرها بالطريق الدستوري ، ويستتبع فى غالب الأمر تغييرًا فى النظام القانوني الحاكم والمنظم للعلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بين أفراد الشعب وسلطات الدولة الحاكمة على وجه يقتنع معه الشعب فى إطار دستور – يصدر عنه بإرادته الحرة – بتحقيق السلامة القانونية لكافة أفراد المجتمع.

ويجب أن يجارى النظام القانونى الجديد فكرًا قانونيًا جديدًا يفسر ما غمض فى النظام القانونى من قواعده العامة والمجردة سواء لبس هذا الفكر ثوب التشريع مشرعًا أو انصب على عمل السلطة التنفيذية فى الهيئات والوزارات والمصالح أو على منصة القضاء تنفيذًا لأحكام الدستور والقانون ، وأخيرًا فى قاعات البحث والفقه القانوني ، ومع وجوب تمسك الفكر القانونى بالثوابت فإن عليه أن يتماشى مع النظام القانونى الجديد ، وما قد يحدثه من تغييرات تؤثر على الفهم الصحيح ، ويوصم الفكر بالجمود إذا تمسك بالثوابت وأهمل المتغيرات التى تلحق بالمجتمع ونظامه الدستورى.

ومن حيث إن مصر فى هذا العقد من الزمان – بعد ثورة الشعب ( 25يناير / 30 يونيه ) - وهى ثورة وصفتها ديباجة الدستور بأنها فريدة بين الثورات الكبرى فى تاريخ الإنسانية ، بكثافة المشاركة الشعبية التى قُدّرت بعشرات الملايين ، وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مُشرق ، وبتجاوز الجماهير للطبقات والأيدولوجيات نحو آفاق وطنية وإنسانية أكثر رحابة وبحماية جيش الشعب للإرادة الشعبية.

وهذا الدستور استولد عنه نظام قانونى جديد ألبس الفصل بين السلطات ثوبًا جديدًا، وتحددت فيه حدود سلطات الدولة دون تغول من سلطة على سلطة أخرى، وأٌعلى من شأن حق الإنسان المصري فى المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لبناء دولته الجديدة مصطحبًا تاريخ مصر الخالد وحضارتها العظيمة وموقعها الجغرافي المتميز ، وقدم وعراقة شعبها واَصالته، وطبيعته وطبيعة تكوينه الفريد والمتنوع والذى يمثل سمتًا من سماته ويستعذب اَصالته كل من سرى فى شرايينه مياه النيل مسرى الدم.

ومن أجل ذلك وهو بعض من كل وجب على الفكر القانوني أن يتماشى مع التعديلات التي استحدثها الدستور على النظام القانوني المصري ، ومن عموم القول السابق إلى خصوصية النزاع المعروض والمتعلق بحقوق السيادة على الأراضى المصرية ، وحدود سلطات الدولة بشأنها وفقًا للدساتير المصرية المتعاقبة بدءًا من الأمر الملكى رقم 42 لسنة 1923 بوضع نظام دستورى للدولة المصرية وانتهاءً بالوثيقة الدستورية الجديدة عام 2014 ، فقد نصت المادة (1) من دستور 1923 على أن " مصر دولة ذات سيادة , وهى حرة مستقلة , ملكها لايتجزأ ، ولا يُنزل عن شىء منه ، وحكومتها ملكية وراثية ، وشكلها نيابى "، ونصت المادة 46 منه على :" كما أن معاهدات الصلح والتحالف والتجارة والملاحة وجميع المعاهدات التى يترتب عليها تعديل فى أراضي الدولة أو نقص فى حقوق سيادتها أو تحميل خزائنها شيئًا من النفقات أو مساس بحقوق المصريين العامة أو الخاصة لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها البرلمان" .

وبذات العبارات نطقت أحكام المادة (1) من الباب الأول من دستور 1930، كما حددت المادة (46) منه سلطات المَلك والبرلمان بشأن المعاهدات التى يترتب عليها تعديل فى أراضى الدولة أو نقص فى حدود سيادتها ، وإذا كان دستور 1956 الصادر فى ظل الحكم الجمهورى قد أخذ بأبعاد قومية بشأن وصف مصر بأنها دولة عربية مستقلة ذات سيادة ، وأنها جمهورية ديمقراطية والشعب المصرى جزء من الأمة العربية فإنه تمسك بأن لا تنفذ معاهدات الصلح والتحالف والتجارة والملاحة وجميع المعاهدات التى يترتب عليها تعديل فى أراضي الدولة أو التى تتعلق بحقوق السيادة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة ( المادة 143 منه ) ، وهو ذات الشرط الذى اشترطه دستور 1964 ( المادة 125 منه ) ، ودستور 1971 ( المادة 151 منه ) ، ولقيام ثورة الخامس والعشرين من يناير وتعطيل العمل بالدستور الأخير ، وصدور دستور عام 2012 وتعديله بالدستور الحالي استدعت أحكامه بعض الأحكام الواردة بدستور 1923 انطلاقًا من المبدأ الراسخ بوحدة الأرض المصرية منذ عهد مينا حتى الآن ، وعلى الوجه الذى كشفت عنه الأعمال التحضيرية للدستور بشأن سيادة الدولة على أراضيها.

وذلك بفهم جديد متطور استقى من المبادئ السالف ذكرها فى أسباب هذا الحكم وعلى الخصوص حدود سلطات الدولة بشأن مسألة السيادة وحق التقاضى المقرر دستوريًا ونفاذ القضاء إلى ما يتبلور حوله من أنزعه تستخلص من الفهم الصحيح للنصوص الدستورية، ومن نافلة القول الإشارة إلى أن فهم النصوص الدستورية أمر ليس محجوزًا لجهة قضاء بعينها والفهم يختلف عن الفصل فى المسألة الدستورية والمحجوزة بلا منازع للمحكمة الدستورية العليا - وهو أمر تحرص عليه المحكمة الإدارية العليا قدر حرصها على الاختصاص الدستورى المقرر لجهة القضاء الإدارى، وهو عكس ما أشارت إليه الجهة الطاعنة فى مذكرة دفاعها المقدمة بجلسة 22/10/2016.

ومن حيث إن المادة (1) من الدستور الحالي - دستور عام 2014 - تنص على أن :" جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة موحدة لا تقبل التجزئة ، ولا ينزل عن شيء منها نظامها ديمقراطى ، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون .............".

وتنص المادة (151) من الدستور ذاته على أن :" يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية ، ويبرم المعاهدات ، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب ، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور .

ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة ، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة .

وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور ، أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة " .

ولا جدال فى أن هذا النص الدستوري تضمن أحكامًا بعضها له مردود سابق بالدساتير المصرية المتعاقبة ، وأحكامًا جديدة على النظام القانوني المصري تستوجب – كما سلف البيان – فهمًا قانونيًا جديدًا ، فمن سابق الأحكام أن إبرام المعاهدات سلطة بين رئيس الجمهورية والسلطة التشريعية ممثلة فى البرلمان على اختلاف مسمياته أما الأحكام الدستورية الجديدة بشأن المعاهدات تجلت فى أمرين.

الأول : أن معاهدات الصلح والتحالف وكل ما يتعلق بحقوق السيادة لا يتم التصديق عليها إلا بعد استفتاء الشعب وهو أمر واجب لا تقدير فيه لسلطة من سلطات الدولة ، وهذا القيد الواجب لا يخاطب فقط السلطة التى تبرم المعاهدة أو السلطة المقرر لها الموافقة فيما يدخل فى اختصاصها الدستورى ، وإنما يمثل النكوص عنه حال لزومه استدعاء سلطة القضاء ولا يدفع أمامه حال تعلق الأمر بفكرة أعمال السيادة ، فتلك الأعمال وإن انطبقت على الحالة الأولى من المعاهدات ،ليس بها الوصف ,وإنما باعتبارها أعمالًا برلمانية مقرر لرقابتها قواعد خاصة , فإن القيود الدستورية والضوابط التى حددتها الفقرتين الأخيرتين من المادة (151) ترفع عن الأعمال المتصلة بها صفة كونها من أعمال السيادة ولا تقوم له أية حصانة عن رقابة القضاء .

الثاني : الحظر الدستورى الوارد فى الفقرة الثالثة من المادة (151) بأنه لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من اقليم الدولة ، وهذا الحظر لا يشمل التنازل فقط وإنما أية مخالفة لمبدأ دستورى أخر. وهو حظر لا يقف عند سلطات الدولة فحسب وإنما يمتد إلى الشعب ذاته ، والذى قيدت إرادته فى التنازل عن الأراضى أو مخالفة الدستور ، ويظل هذا الحظر قائمًا طالما سرى الدستور استنادًا لقاعدة قانونية مستقرة قوامها مبدأ سمو القواعد الدستورية وأنها طالما ظلت سارية ولم تعدل بالآلية الدستورية التى حددها الدستور ذاته تعين احترامها والالتزام بها ليس فقط من سلطات الدولة وإنما من سلطة الإنشاء ( الشعب ) ، وبالرجوع إلى الأعمال التحضيرية للدستور تلاحظ أن لجنة الخبراء عند وضع نص المادة (1) من الدستور أشارت صراحة إلى اقتراح قُدّم من أحد الأعضاء بالنص صراحة أسوة بدستور عام 1923 على عدم جواز النزول عن أى من اقليم الدولة ( الاجتماع الثانى للجنة الخبراء العشرة لمشروع التعديلات الدستورية فى 23 من يوليه 2013 ص 13 وما بعدها ) .

كما يتضح الأمر بجلاء لا لبس فيه ولا غموض عند مناقشة وإعداد المادة (145 ) والتى أصبحت فى الدستور الحالي تحت رقم المادة (151 ) ، وعند عرض الجزء الأول من النص الدستورى رجُح فى اللجنة أنها لا تتعلق بمعاهدات الصلح ولا التحالف أو ما يتعلق بحقوق السيادة ( فهذه يفصل فيها ويراقبها البرلمان ) ، أما المعاهدات الخاصة بالصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة وجميع المعاهدات التى يترتب عليها تعديل فى أراضى الدولة : فذهب رأى إلى وجوب موافقة الشعب أُسوة بالمادة 53 فقرة أخيرة من الدستور الفرنسى ( الاجتماع الثامن للجنة المشار إليها فى 3/8/2013 ص 68 ،69 وبدءًا من ص 73 من الاجتماع المشار إليه ) وتبلور الأمر برأى ذهب إلى أن أى شئ يتعلق بحقوق السيادة لن يكون محلًا للمعاهدات ثم تبلور الرأى إلى أن المعاهدات التى تتعلق بحقوق السيادة لا يكون لها قوة القانون إلا بعد الاستفتاء عليها وموافقة الشعب.

وقبل الاتفاق على النص الدستورى ذكر أحد الأعضاء "الجزء الأول من نص المادة 145 ليس فيه أى مشكلة ، الجزء الثانى تجب موافقة مجلس الشعب ( النواب ) بأغلبية ثلثى اعضائه على معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التى تتعلق بحقوق السيادة يتعين الاستفتاء وموافقة الشعب عليها لكى يستريح ضمير الجميع وأنا مع ولا يجوز إقرار أى معاهدة تخالف أحكام الدستور أو الانتقاص من أراضي الدولة ، لماذا ؟؟ لأن الحكم هنا سيكون مختلفًا عندما نقول مظهر من مظاهر السيادة مثل قاعدة عسكرية هذا نريد فيه استفتاء أما هنا فى مسألة الانتقاص من أراضي الدولة لم تعرض على الاستفتاء محرم عرضها على المجلس أو الاستفتاء كقاعدة عامة وهذه هى قيمة الإضافة وأنا أوافق على الإضافة" ثم قُرأت المادة بالصوغ الآتى : " يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية ، ويبرم المعاهدات ويصدق عليها بعد موافقة مجلس الشعب ، وتكون لها قوة القانون بعد التصديق عليها ونشرها ، وفقا لأحكام الدستور وتجب موافقة المجلس بأغلبية ثلثى اعضائه جميعًا على معاهدات الصلح والتحالف ، وبالنسبة للمعاهدات التى تتعلق بحقوق السيادة فلا يكون لها قوة القانون إلا بعد الاستفتاء عليها وموافقة الشعب على ذلك .

ولا يجوز إقرار أى معاهدة تخالف أحكام الدستور أو يترتب عليها الانتقاص من اقليم الدولة " ، ثم علق المقرر ، " لا نريد أن نصعب الأمور نقول فى الجزء الثانى من النص بعد كلمة التحالف وجميع المعاهدات التى تتعلق بحقوق السيادة بشروط الاستفتاء عليها ......ولا يجوز إقرار أى معاهدة تخالف أحكام الدستور أو تنتقص من اقليم الدولة وتنتهى " .

وإذا كان النص الدستوري للمادة (151) الذى وافق عليه الشعب قد نقل حرفيًا ما انتهت إليه لجنة الخبراء بخصوص الفقرة الأولى منه وبتصرف لا يغير المعنى فى الفقرة الأخيرة ، فإن الفقرة الثانية والثالثة من الصياغة النهائية للدستور المستفتى عليها قدّمت وأوجبت دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف ، وما يتعلق بحقوق السيادة ومنعت التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بموافقة الشعب ، وينعطف من هذه المغايرة معان قانونية ومفاهيم كثيرة يجب أن تُسجل وتُذكر :-

أولًا : أن الدستور المصرى رسَخ مبدأ سيادة الشعب فى أعلى صورة فحظر أى التزام دولى على الدولة فيما يتعلق بهذه الأنواع من المعاهدات إلا بعد أخذ موافقة الشعب صاحب السيادة ومصدرها ، فالتصديق وهو من سلطة رئيس الجمهورية مشروط بموافقة الشعب عبر استفتاء واجب ، وفيه يحل الشعب محل السلطة التى تقوم مقامه بالتشريع والرقابة ، وعلى رئيس الجمهورية أن يخاطب الشعب مباشرة طالبًا رأيه الفاصل والملزم فى أية معاهدة محلها الصلح أو التحالف أو تتعلق بحقوق السيادة . والترتيب المنطقى للأمور أن يتوجه رئيس الجمهورية إلى الشعب طالبًا رأيه ، فإن أجاب طلبه بالموافقة استكملت إجراءات الاتفاق الدولى ، وإن كان له رأى آخر زال أى اتفاق أو إجراء سابق تم اتخاذه .

ثانيًا : أن التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة أو إبرام معاهدة تخالف أحكام الدستور المصرى- فرادى أو مجتمعة - تعد من الأمور المحظور إبرام أى اتفاق دولى بشأنها ولا تعرض على الشعب الذى أعلن إرادته عبر دستوره وحاصله
إنه لا يُقبل التنازل عن أى جزء من الأرض أو مخالفة أى حكم من أحكام الدستور الذى يمثل الوعاء الأصيل للنظام القانونى الحاكم من ناحية والضمان الوحيد لاستقرار نظام الحكم من ناحية أخرى .

وقد جرى نص المادة (197) من القانون رقم 1 لسنة 2016 بشأن اللائحة الداخلية لمجلس النواب - المنشور في الجريدة الرسمية في العدد (14)مكرر ب بتاريخ 13/4/2016 ليعمل به اعتبارًا من اليوم التالى لنشره الموافق 14/4/2016 وفقًا للمادة الثانية من مواد اصداره على أن :

" يبلغ رئيس الجمهورية المعاهدات التى يبرمها إلى رئيس المجلس ، ويُحيلها الرئيس إلى لجنة الشئون الدستورية والتشريعية لإعداد تقرير فى شأن طريقة إقرارها وفقًا لحكم المادة (151) من الدستور، وذلك خلال سبعة أيام على الأكثر من تاريخ إحالتها إليها.
ويعرض رئيس المجلس المعاهدات وتقارير لجنة الشئون الدستورية والتشريعية فى شأنها فى أول جلسة تالية ، ليقرر إحالتها إلى اللجنة المختصة أو طلب دعوة الناخبين للاستفتاء عليها بحسب الأحوال.

وفى غير الأحوال المنصوص عليها فى الفقرتين الأخيرتين من المادة (151) من الدستور، يكون للمجلس أن يوافق على المعاهدات أو يرفضها أو يؤجل نظرها لمدة لا تجاوز ستين يوما ، ولا يجوز للأعضاء التقدم بأى اقتراح بتعديل نصوص هذه المعاهدات ويُتخذ قرار المجلس فى ذلك بالأغلبية المطلقة للحاضرين.

ولرئيس المجلس أن يُخطر رئيس الجمهورية ببيان يشمل النصوص والأحكام التى تتضمنها المعاهدة والتى أدت إلى الرفض أو التأجيل.

وإذا أسفر الرأى النهائى عن موافقة المجلس على المعاهدة، أُرسلت لرئيس الجمهورية ليُصدق عليها، ولا تكون نافذة إلا بعد نشرها فى الجريدة الرسمية.

ولا يتم التصديق على المعاهدات المشار إليها فى الفقرة الثانية من المادة (151) من الدستور، إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء عليها بالموافقة."

ولامرية أنه بموجب الحظر الدستورى المذكور يمتنع على كافة سلطات الدولة التنازل عن أى جزء من اقليم الدولة وتلحق ذات الصفة بأى اجراء سابق لم يراع الحدود الدستورية السارية حال اصداره , وبهذه المثابة يكون توقيع رئيس الوزراء على الاتفاق المبدئى - حسب التعبير الجهة الادارية الطاعنة – بتعيين الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية متلحفًا برداء غير مشروع فى اتفاقية تبدو كأعجاز نخل خاوية فليس لها في الحق من باقية.

وبنص المادة (197) من اللائحة الداخلية لمجلس النواب سالفة البيان تحدد الاختصاص واستقام تخومه وهو يؤكد بقطع القول أن تغييرًا فى الاختصاص لسلطات الدولة قد ولد من رحم الدستور السارى واضحت يد مجلس النواب هى الأخرى بنص الدستور والقانون معًا مغلولة ومحظورة عليه مناقشة أية معاهدة تتضمن تنازلًا عن جزء من إقليم الدولة ومنها الجزيرتين محل الطعن الماثل , وما يخالف ذلك من جانب السلطتين التنفيذية والتشريعية هو والعدم سواء .

ومن حيث إنه وبالبناء على ما تقدم ، فإن ما استندت إليه محكمة القضاء الإدارى فى أسباب حكمها الطعين وما أوردته هذه المحكمة من أسباب وفى أطار التوازن الدستوري بين نص المادة (97) والمادة (190) من الدستور الحالي - والتى حظرت أولها ، تحصين أى عمل أو قرار إدارى عن رقابة القضاء وأحكام الدستور فى عديد من المواد التى انصرفت إلى تعديل فى حدود السلطات الممنوحة لسلطات الدولة وبمقتضاها غدت جُلَ السلطات محددة النطاق ومشروطة الممارسة ، فإن الحكم المطعون فيه فيما قضي به من رفض الدفع المبدى من المدعى عليهم بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعوى – بصفتهم – فى الدعوى يكون قائمًا على عُمد من الواقع والقانون ، وصادرًا فى إطار أحكام القانون والدستور.

ولا يسوغ والحال كذلك للسلطة التنفيذية اجراء عمل أو تصرف ما محظور دستوريًا ويكون لكل ذى صفة أو مصلحة اللوذ إلى القضاء لإبطال هذا العمل ، ولا يكون لها التذرع بأن عملها مندرج ضمن أعمال السيادة ، إذ لا يسوغ لها أن تتدثر بهذا الدفع لتخفى اعتداءً وقع منها على أحكام الدستور وعلى وجه يمثل إهدارًا لإرادة الشعب مصدر السلطات ، وإلا غدت أعمال السيادة بابًا واسعًا للنيل من فكرة سيادة الشعب وثوابته الدستورية وسبيلًا منحرفًا للخروج عليها وهو أمر غير سائغ البته ، وترى المحكمة إظهارًا لوجه الحق والقانون – وقبل التعرض للأسباب التى قام عليها تقرير الطعن الماثل - الإشارة إلى قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 535 لسنة 1981 بشأن الموافقة على معاهدة فيينا لقانون المعاهدات الموقعة فى فيينا عام 1969

حيث نصت المادة الأولى - مادة وحيدة - من القرار المشار إليه – وكما ورد فى ديباجته " بعد الاطلاع على الفقرة الثانية من المادة (151) من الدستور - على " الموافقة على معاهدة فيينا لقانون المعاهدات الموقعة فى فيينا بتاريخ 23/5/1969 مع التحفظ بشرط التصديق ، ومع ابداء التحفظ التالى على وثيقة الانضمام ." أن جمهورية مصر العربية لا تُعتبر منها طرفًا فى إطار الباب الخامس من المعاهدة فى مواجهة الدول التى تبدى تحفظات على وسائل التقاضى والتحكيم الإلزامية الواردة فى المادة (66) وفى ملحق المعاهدة.

كما إنها ترفض التحفظات التى ترد على الباب الخامس من المعاهدة " ومن الأحكام التى تندرج تحت مفهوم التحفظات المشار إليها ما ورد بحكم المادة (47) من قانون المعاهدات التى تقضي بأنه إذا خضعت سلطة الممثل في التعبير عن موافقة دولة ما على الالتزام بمعاهدة معينة ، فإن عدم التزامه بهذا القيد لا يجوز أن يتخذ حجة لإبطال الموافقة التى عبر عنها المُمثل ما لم تكن الدول المتفاوضة قد أخُطرت بالقيد قبل قيام الممثل بالتعبير عن هذه الموافقة ، ولا ريب أن استناد ديباجة القرار الجمهورى المشار إليه إلى أحكام الفقرة الثانية من الدستور السارى حال صدوره (دستور 1971) قد حددت ممثل الدولة المصرية واجراءات ابرام المعاهدة وفى ظل هذا الدستور تكون المكاتبات الصادرة عن مسئولين مصريين – دون - رئيس الجمهورية أو بعد اتخاذ اجراء موافقة مجلس الشعب على أى تصرف بخصوص الجزيرتين – محل التداعى – لا أثر لها خاصة فى ظل إعلاء مصر من شأن أحكام دستورها بالقرار المشار إليه وما أوجبه من إجراءات على ابرام المعاهدات بتحفظها على معاهدة من المعاهدات الشارعة والمنظمة لقواعد الاتفاق الدولى.

وأن المحاججة بخطابات أو اجتماعات أو اتصالات صدرت عن مسئولين مهما علت وظائفهم - فضلًا عن مخالفته لأحكام القرار الجمهورى المتضمن قواعد التصديق على الاتفاق الدولى - فإنها لا تمثل مانعًا أمام القضاء الداخلى من التعرض للإجراء الذى تقوم به الحكومة حاليًا فى ظل دستور جديد تمسك بموروث دستورى يحمى حق الدولة على أرضها ورادعًا لكل اعتداء على سيادتها ،أو ينال من شواهد سيادة مصر على الوجه الذى عرضته أو ستعرضه المحكمة فى اسباب حكمها.

كما أن قرار رئيس الجمهورية رقم 27 لسنة 1990 لم يتضمن أى تعديل على التحفظ الوارد بقرار رئيس الجمهورية رقم 535 لسنة 1981 ( وسيرد فى اسباب الحكم مدلول القرار الجمهورى رقم 27 لسنة 1990 المشار إليه وأثره فى النزاع ) وقاطع القول ينصرف إلى أن التحفظ على الانضمام لهذه المعاهدة المؤسسة لقواعد الاتفاق الدولى يمثل مظهرًا من مظاهر سيادة الدولة يستدعى احترامه من خارج الدول المتحفظة وداخلها من باب أولى - والنزاع – محل الطعن الماثل - هو نزاع داخلى وطنى بين الدولة ممثلة فى الطاعنين بصفاتهم والمطعون ضدهم والخصوم المتدخلين.

وفى اطار سلطة القضاء الوطنى الذى عليه واجب احترام الدستور والآليات التشريعية المنظمة للفصل فى النزاع ، فإن نكص عن واجب مفروض عليه كان منكرًا للعدالة ، ولا يحاج على ذلك بأن فى ذلك نيل من التزام التزمت به الدولة تجاه دولة أخرى – بحسبان الالتزام لا يقع صحيحًا فى مفهوم المحكمة إلا إذا تم سليمًا وبإجراءات دستورية وقانونية ، وقد أفصح تقرير الطعن المرفق على أن ما تم – هو اتفاق مبدئى - بين حكومتى جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية محله إعادة جزيرتي تيران وصنافير بناءً على ما انتهت إليه محادثات طالت سنين عدة وأعمال لجان متخصصة ، وإذا كانت كافة الإجراءات المدعى اتخاذها من جانب الحكومة لم تستهد بأحكام الدساتير المصرية والقوانين والقرارات الجمهورية المنظمة لعملها بشأن موضوع ينال من سيادة الدولة أو جزء من أرضها, ويرتب التزامًا دوليًا عليها.

فإن ذلك يقطع بأن المسألة المعروضة وما يلامسها لا تخرج عن كونها إجراءات إدارية وسّد الاختصاص بالفصل فى مشروعيتها أو بطلانها إلى جهة القضاء الإدارى صاحبة الاختصاص الدستورى بالفصل فى المنازعات الإدارية ، والقضاء الإدارى ، وهو جزء من السلطة القضائية حال تصديه لهذا النزاع يكمل منظومة الرقابة على أعمال الحكومة فيقر ما يكون صحيحًا منها ويلغى ما خرج عن نطاق أحكام القانون والواقع وأصطدم بأحكام الدستور الآمرة ، ولا يسوغ له أن يتنظر حتى تكتمل للمخالفة أركانها غير المشروعة فدور قاضى القانون العام لا يقف عن حد الفصل فى الخصومة القضائية وإنما تبصير سلطات الدولة بدورها وحدود هذا الدور المرسوم لها دستوريًا , وهو ما يمثل وجه المصلحة الأخرى للجهة الطاعنة من السير فى اجراءات الطعن.

ومن حيث إنه عن ما ورد بتقرير الطعن من مخالفة الحكم للقانون فيما قضي به من عدم قبول الدعوي بالنسبة للطاعن الثالث بصفته – رئيس مجلس النواب – فإن المحكمة وفى اطار مفهوم الدولة القانونية المنصرف إلى أنها الدولة التى تتقيد فى كافة مظاهر نشاطها – وأيًا كانت طبيعة سلطاتها – بقواعد قانونية تعلو عليها ، وتكون بذاتها ضابطًا لأعمالها وتصرفاتها في أشكالها المختلفة ، بحسبان ممارسة السلطة لم تعد امتيازًا شخصيًا لأحد ، وإنما تباشرها نيابة عن الجماعة ولصالحها ، وكان حتمًا أن تقوم الدولة - فى مفهومها المعاصر - وخاصة فى مجال توجهها نحو الحرية - على مبدأ مشروعية السلطة مقترنًا ومعززًا بالخضوع للقانون باعتبارهما مبدآن متكاملان لا تقوم بدونهما المشروعية فى أكثر جوانبها أهمية ، ولأن الدولة القانونية هى التى يتوافر لكل مواطن فى كنفها الضمانة الأولية لحماية حقوقه وحرياته ولتنظيم السلطة وممارستها فى اطار من المشروعية ، وهى ضمانة يدعمها القضاء من خلال استقلاله وحصانته لتصبح القاعدة القانونية محورًا لكل تنظيم ، وحدًا لكل سلطة ، وردعًا ضد العدوان عليه،( المحكمة الدستورية العليا القضية رقم 22 لسنة 8 ق دستورية ، بجلسة 4/1/1992 ، مجموعة المبادئ التى قررتها المحكمة العليا والمحكمة الدستورية العليا فى أربعين عامًا ص 815 وما بعدها - والقضية رقم 233 لسنة 26 ق دستورية).

ومن حيث إن الدستور المصري الساري قد حدد اختصاص مجلس النواب بشأن المعاهدات باعتبار أن موافقته واجبة على كل ما تبرمه الدولة من معاهدات حددتها الفقرة الأولي من المادة (151) من الدستور ، وإن الفقرة الثانية قصرت دور مجلس النواب على المصادقة على ما ينتهى إليه الشعب باعتباره الوكيل عن صاحب السيادة الذى اثر الدستور أن يتولاه بنفسه دون وكيل باعتبار أن موافقته الشرط الوحيد اللازم للمصادقة على الاتفاقية بعد دعوته الواجبة كما سلف البيان ,فسلطة مجلس النواب فى مسائل السيادة سلطة تقرير لإرادة الشعب ويكون رأيه متممًا لتلك الارادة يلتحم فيها الوكيل بالموكل , ويكون دور الوكيل محصورًا فى صوغ التعبير عن هذه الإرادة رفضًا أو قبولًا.

فإذا ما باشرت السلطة التنفيذية اختصاصًا متصلًا بهذا النوع من المعاهدات أو تلك التى نظمتها الفقرة الاخيرة من المادة 151 من الدستور تمحور النزاع حول عمل إدارى لا يسوغ أن تتدخل فيه السلطة التشريعية طرفًا فيه كمشرع . وإذ أخرج القضاء المطعون فيه الطاعن الثالث بصفته المُمثل القانونى لمجلس النواب يكون قد التمس وجه الحق وأنزل صحيح حكم القانون والدستور.

وتطرح المحكمة - من ثم - ما ورد بتقرير الطعن من أن الرقابة على الاتفاقية المشار إليها محجوزة فقط للبرلمان بحسبان الفصل فى النزاع معقود للقضاء الإدارى ، واستقر في يقين المحكمة – كما سلف البيان – أن النزاع الماثل لم يرق إلى كونه التزامًا دوليًا ، كما أنه يخرج عن نطاق تطبيق أحكام الفقرة الأولى من المادة (151) من الدستور والتى وسدّت لمجلس النواب دورًا واجبًا فى الموافقة على المعاهدات فى غير الحالتين التى أشارت إليهما الفقرتين الثانية والثالثة منها .

وتجدر الإشارة إلى أنه بالرجوع إلى أعمال لجنة الخبراء العشرة والخاصة بإعداد الدستور، فإنه قد أشار أحد أعضائها ص 73 بأن " أى شئ يتعلق بحقوق السيادة لن يكون محل معاهدات " ، ومن نافلة القول الإشارة إلى أن المحكمة تقصر قضائها فى خصوص هذه المسألة على دور مجلس النواب كسلطة تشريعية تمارس دورًا فى إطار الدستور ودون تخط لآلياته الأخرى بشأن الرقابة على أعمال الحكومة ، ولايسوغ أن يكون مجلس النواب طرفًا فى الخصومة الماثلة – ومحلها – اجراء أو عمل إدارى صدر عن رئيس الوزراء على الوجه سالف بيانه ويكون إخراج الحكم المطعون فيه الطاعن الثالث بصفته ( رئيس مجلس النواب ) من الخصومة قاضيًا بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفه بالنسبة له ، ملتمسًا وجه الحق ومنزلًا صحيح حكم القانون والدستور , فإذا ما زج به كجهة فصل فى خصومة فالبرلمان ينشئ ويقرر فى إطار دوره الدستورى , أما الفصل فى الخصومة اختصاص معقود للقضاء .

ومن حيث إنه عن ما أبداه الحاضر عن الطاعنين بصفاتهم من عدم قبول تدخل الخصوم المنضمين والنعي على الحكم الطعين لقضائه بقبول تدخلهم كخصوم منضمين إلى جانب المدعيين فى الدعويين ، فإن المادة (4) من الدستور تنص على أن " السيادة للشعب وحده يمارسها ويحميها ، وهو مصدر السلطات.

وحق المشاركة السياسية والدفاع عن حقوق الشعب لا تقتصر على وسائل التعبير عن الرأى ، وإنما تمتد إلى حق اللجوء إلى القاضى لمنازعة سلطات الدولة فيما يراه اعتداءً على حقوقه الدستورية أو عصفًا بالمبادئ الدستورية ، وقد بسطت أحكام المادة (126) من قانون المرافعات المدنية والتجارية إنه يجوز لكل ذى مصلحة أن يتدخل منضمًا فى الدعوي.

كما استقر قضاء هذه المحكمة على إنه وإن كان يجب أن تكون المصلحة شخصية ومباشرة وقائمة إلا أنه فى مجال دعوى الإلغاء ، وحيث تتصل هذه الدعوى بقواعد واعتبارات المشروعية والنظام العام يتسع شرط المصلحة لكل دعوى إلغاء رافعها فى حالة قانونية خاصة بالنسبة إلى القرار المطعون فيه من شأنها أن تجعل هذا القرار مؤثرًا فى مصلحة جدية له .( المحكمة الإدارية العليا فى الطعنين رقمي 16834 ، 18971 لسنة 52 ق. ع بجلسة 16/12/2006 ). ولا جدال فى أن طالبى التدخل فى حالة قانونية شأنهم شأن رافعى الدعوى باعتبارهم من المواطنين المصريين ، وتقضى المحكمة برفض طلب عدم قبول تدخلهم وتطرح ما شمله الطلب من أسباب لوروده مرسلًا دون سند .

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر صدي البلد وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى #اليوم السابع - #حوادث - رئيس حقوق الإنسان: الرئيس السيسى حريص على استمرار دعم القضية الفلسطينية