اخبار السياسه محمود محيي الدين يكتب: التركيبة السكانية والتنمية

اخبار السياسه محمود محيي الدين يكتب: التركيبة السكانية والتنمية
اخبار السياسه محمود محيي الدين يكتب: التركيبة السكانية والتنمية

كتب محمود محيي الدين، وزير الاستثمار الأسبق ونائب البنك الدولي، مقالا عن علاقة عدد السكان وتركيبتهم بتحقيق الأهداف التنموية وتوفير الحياة الكريمة للمواطنين.

وتنشر "الوطن" نص المقال الذي تم ترجمته إلى العديد من اللغات:

 يتطلب تحقيق أهداف التنمية المستدامة الطموحة التي تهدف إلى إنهاء الفقر وتوطيد الرخاء المشترك وتعزيز الاستدامة ما بين الوقت الحاضر وعام 2030، التغلب على بعض العقبات الرئيسية التي تتراوح ما بين توفير التمويل الكافي للتعامل مع تغير المناخ إلى إدارة الصدمات الاقتصادية الكلية ولكن ثمة عقبة محتملة واحدة ما تلبث أن تنقلب لتصبح نعمة مقنعة؛ وهي التحولات الديموغرافية المتنوعة التي ستقع في السنوات القادمة.

بحلول الوقت الذي تبلغ فيه أجندة أهداف التنمية المستدامة تاريخ انتهائها، سوف يحيا على هذا الكوكب ما يقدر بثمانية ونصف مليار نسمة وبعد عشرين عامًا بعد ذلك، أي 34 عامًا من الآن، سوف يبلغ تعداد سكان العالم حوالي عشرة مليارات أو سيزيد عدد سكان الكوكب 2,5 مليار نسمة أكثر من المتواجدين الآن على الكوكب.

كيف سيبدو العالم وقتها؟ وأين سيعيش هذا العدد الزائد من السكان؟ وكيف سيكسبون أرزاقهم؟ وهل سيتسببون في دعم اقتصاد بلادهم أم إثقاله؟

وحتى نعثر على أدلة تساعدنا في حل تلك المسألة، يمكننا أن نبحث في السنوات الخمس والثلاثين الماضية، في أوائل ثمانينيات القرن الماضي حيث هيمن الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، والزعيم الصيني دنغ شياو بينغ، ورئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر والرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، والرئيس السوفيتي ميخائيل غورباتشوف على عناوين الصحف في العالم وكانت مبيعات أجهزة الكمبيوتر الشخصية ضئيلة وكان الأطفال يتنافسون على مكعبات روبيك بدلا من لعبة البوكيمون المطورة وفق تقنية الواقع المعزز.

وفي ذلك الوقت، كان تعداد السكان في العالم حوالي 4,5 مليار نسمة، عاش منهم 42% أي حوالي 2 مليار في فقر مدقع وكان يُخشى أن النمو السكاني المفرط د يفوق الإنتاج الزراعي ويخلق مزيدا من الفقر.

ومع ذلك اتضح أن تنبؤات مالتس كانت خاطئة، ومع أن تعداد سكان العالم تصاعدت وتيرته إلى 7,5 مليار، لا يعيش سوى حوالي 750 مليون نسخة أي حوالي 10% من إجمالي عدد السكان في فقر مدقع في الوقت الحاضر وانتشلت الصين والهند على وجه الخصوص مئات الملايين من براثن الفقر في العقود الأخيرة، مع زيادة دخول مواطنيهما وتحسين صحتهم.

وحققت كل من الصين والهند ذلك من ناحية بتقوية المؤسسات وتبني السياسات التي عززت النمو القوي والشامل نسبيًا والصين من جانبها استفادت من "العائد الديموغرافي"؛ فلقد انخفضت معدلات الخصوبة، ونمت القوى العاملة أسرع من السكان المعالين، وحررت الموارد للاستثمار في الناس ورؤوس الأموال، وهذا أدى إلى زيادة النمو ورفع مستويات المعيشة.

وهذا العائد قد يستمر لعقود، وبالنسبة إلى الصين، استمر بالفعل لعقود على الرغم من أنه قد بلغ الآن خاتمته. ولكن بالنسبة إلى الهند وغيرها من الدول النامية، بدأت تشعر بأثر العائد الديموغرافي لتوها وفي الواقع، تركز 90% من الفقر العالمي بالكامل في الدول التي يزيد عدد سكانها في سن العمل، مما يهيئ الفرصة السانحة لخفض الفقر سريعًا في العقود التالية.

وعلى سبيل المثال، في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، التي تعاني في الوقت الحاضر من ارتفاع مستويات الفقر المدقع، يبلغ عدد الأطفال تحت سن 15 سنة حوالي 43% من إجمالي تعداد السكان وعندما يكبر هؤلاء الأطفال بدرجة كافية ليدخلوا سوق العمل، يمكن أن تزيد نسبة أصحاب الدخل في الاقتصاد بشكل كبير، ويزيد متوسط نصيب الفرد من الدخل.

ولكن لم تستعد كل البلدان للاستفادة من تزايد أعداد الشباب. ما بين الوقت الحاضر وعام 2030، سوف تتعرض العديد من البلدان متوسطة الدخل إلى انخفاض في نصيبها من نسبة السكان في سن العمل ويعكس هذا من بين أشياء أخرى اتجاه ذوي الدخول المرتفعة على تأخير إنجاب الأطفال، ويعزز ذلك الأدلة التجريبية.

وحتى عند هذه النقطة، لا يعتبر الشأن الديموغرافي كله شر، ولكن ليس لأن التحول من معدل الخصوبة الأعلى إلى الأدنى يرتبط بالتحول من متوسط العمر المتوقع الأدنى إلى الأعلى ويخبرنا التاريخ أن هناك نوع آخر من العائد الديموغرافي وهو العائد الذي يستمر لفترات أطول وأكثر استدامة عن النوع الأول، والذي يظهر عندما تُحدِث المدخرات المتراكمة التي ادخرها جيل طعن في السن طفرة في الاستثمار، والعديد من الدول الغنية اتبعت هذا المسار.

ولكن جني ثمار العائد الديموغرافي يتطلب بذل العمل الشاق، فكما أكد تقرير الرصد العالمي الذي أصدرته مجموعة البنك الدولي لعام 2015/2016، فإن استجابات سياسات الدول هي التي لها أكبر الأثر في كيفية تأثير الاتجاهات الديموغرافية على رفاهة السكان. وإن انتهجنا نهجًا خاطئًا، يمكن أن تؤدي الطفرة في تعداد السكان إلى زعزعة الاستقرار، ويمكن أن يصبح التعداد السكاني الذي يتقدم في السن سريعًا عبئًا على النمو الاقتصادي والميزانية العامة.

وفي حالة البلدان التي بها تزايد في تعداد السكان في سن العمل، فإن التحدي يتمثل في خلق عدد ضخم من فرص العمل المنتجة، وبالنسبة للبلدان التي تضم تعداد سكاني من كبار السن، عليها أن تحسن الانتاجية وأن توازن بين الأنظمة الاجتماعية مع رفاهة المجتمع.

وفي الحالتين، يعتبر من الأهمية بمكان الاستثمار في رأس المال البشري وبيئة مواتية لمباشرة الأعمال التجارية لتعزيز سوق العمل.

وفضلاً عن ذلك، ينبغي أن تستفيد البلدان من الاختلافات في أوضاعها الديموغرافية بوضع السياسات المناسبة التي تتصل بتدفقات رؤوس الأموال عبر الحدود والهجرة والتجارة.

وينبغي أن تتدفق المزيد من روؤس الأموال إلى الدول التي تضم السكان من الشباب، لما لهم من نمو في قواعد التصنيع وأسواق المستهلكين، لدعم الاستثمار ونمو التوظيف، ولابد أن تتدفق أعداد أكبر من العمالة إلى الدول التي تضم السكان من الشيوخ لسد الفجوة في سوق العمل.

ولكي تفلح كل هذه السياسات، تحتاج البلدان أن تحسن فاعلية ومصداقية مؤسساتها المدنية والحكومية، وكذلك من الضروري تبديد الشكوك لتجنب زعزعة الاستقرار.

أثبتت فترة الخمسة والثلاثين عامًا الأخيرة أن أعداد السكان الكبيرة ليست بالضرورة أن تكون أفقر، وبينما زيادة تركز الفقراء في البلدان الهشة والمتأثرة بالصراعات ستفاقم من التحدي المتمثل في الحد من الفقر على مدى العقود القليلة المقبلة فإن هذا  ليس بعذر لعدم ضمان استمرار التقدم.

نحن لدينا الموارد والمعرفة لتحقيق مستويات أعلى من الازدهار والمساواة والاستدامة، والتحدي الحقيقي يكمن في الاستفادة منها بفاعلية.

 

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر الوطن وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى