اخبار السياسه التلاميذ الخائبون.. (حكايات وطن 92)

التاريخ هو المعلم الأكبر للبشرية.. وهو دائماً يعيد الاختبارات ويقدم نماذج الامتحانات ومجموعات تقوية، بل يقدم أحياناً دروساً خصوصية وملازم مختصرة أيضاً على أمل أن ننجح بلا ملاحق ولا (كحك) ولكن نحن البشر على مر العصور أثبتنا أننا تلاميذ خائبون نعيش بمنطق (علم فى المتبلم طول ليله يصبح ناسى) فيقرر التاريخ أن يعيد نفسه بين فترة وأخرى دون جدوى، إلا لمن رحم ربى.

فمنذ بواكير الحضارة الإنسانية دفعت البشرية ثمناً غالياً لإدراك الدروس الأولى فى أحقاب مظلمة عجز التاريخ تحت جنح ظلامها الدامس عن رصد كثير من جرائم الإنسان ومآسيه فيها لتفضحها صدف قدرية من عابر سبيل يرصد حال البلاد والعباد.. أو رفات مقابر جماعية تشى بما كان.. أو أطلال ترك فيها الزمن آثار المجرم حتى لا يهرب من عدالة التاريخ فيكون عبرة للسائرين فى دروب الزمان.. ولكنها كانت مثل كل الحكايات رهينة احتمالات لا ترقى لمستوى الحقيقة المطلقة.. وتطورت الحياة وأصبح التوثيق من خلال التقنيات الحديثة هو البلورة المسحورة التى تستحضر أرواح الراحلين بلا وسطاء لنرى جانباً أكثر دقة من الحقيقة.. ولكن ظل حامل البلورة مستأثراً بالقدرة على التحكم فيما يكشف وما يخفى.

ومن الدروس الكبيرة للبشرية، التى تستحق التأمل الطويل، التجربة الصينية؛ فبكل بريقها ونجاحها تظل هنالك سطور قاسية تخفى الثمن الفادح الذى دفعه المواطن البسيط.. حيث ينسحب فيها عنصر العدل الفردى ويتوارى ليطغى عليه العدل الجماعى بضحاياه الكثيرة وبمنطق براجماتى أو بتعبير حرفى (ذرائعى) والذى يفضل عليه تعبير أكثر إفصاحاً عن المضمون وهو (النفعى) كما يصنفه الفلاسفة منذ نشأة ذلك المذهب فى القرن التاسع عشر حيث (نجاح العمل هو المعيار الوحيد للحقيقة). وأعتقد أن الصين تمثل الإلهام الأكبر لذلك المذهب رغم ظهوره فى الولايات المتحدة الأمريكية.

ففى بداية النهضة الحديثة فى الصين حيث كان الشعب ما زال يعانى ليس من الفقر وتردى الأحوال الاقتصادية فقط ولكن من ثقافة الاستسلام لهما.. فكانت الدروس لتغيير تلك الثقافة التى اعتمدها الحزب الشيوعى الحاكم هى الأكثر قسوة ودرامية فى تحقيق الإصلاح فى العصر الحديث.. ومن القصص المستترة أنه تم تدشين خط قطار حضارى وحديث فى بكين بعد أن اعتاد المواطن الصينى على سوء استخدام الخط القديم المتردى الخدمات وكان استخدام سطح القطار هو الأكثر شيوعاً عن الركوب داخله ربما هروباً من سداد قيمة التذكرة.. فأعلن المسئولون عن إجراءات صارمة لمن يرتكب تلك المخالفة دون جدوى.. وظلت أعداد غفيرة من البشر يصعب السيطرة عليهم تمارس نفس الثقافة.. حيث تنتفى المسئولية الشخصية وسط القطيع الذى يتشجع كل عنصر فيه ويذوب داخل عقل جمعى عاصٍ عن أى تحكم.. فإذا بصباح لن ينساه كل الصينيين عندما قاوم قطيع الركاب كعادتهم كل يوم مسئولى الأمن وصعدوا إلى سطح القطار.. فإذا بكتيبة قناصة كانت تنتظر تحرك القطار تقتل كل الركاب المخالفين ليسقطوا من فوق سطح القطار وسط ذهول الجميع.. ظل ذلك القطار يعمل لأسابيع بلا ركاب لا فوقه ولا داخله.. ثم بدأ المواطن الصينى وقد تعلم الدرس جيداً يستخدم القطار بشكل آدمى ولا يجرؤ على ارتكاب أى مخالفة من أى نوع..

ورغم صدمتى من تلك القصة المؤلمة لكننى لا أستطيع أن أنكر أن الدرس نجح فيما لم ينجح فيه الآخرون.. ليظل السؤال «هل لا يكفى أن نتأمل ذلك الحدث حتى نتعلم...وهل لا بد أن يصوب تجاه كل منا بشكل مباشر ذلك السلاح القاتل؟».

لأتأمل حالنا فأدرك أنه بالفعل مصوب لرؤوسنا طول الوقت دون أن نراه.. ربما بشكل أكثر بطئاً.. ولكنه أكثر حتمية، فانهيار عملتنا أمام الدولار هو فوهة سلاح مشهر على رؤوسنا جلبناه لأنفسنا بتكالبنا على بيع قطع من لحم بلدنا من أجل أن نتغذى عليها فى صورة فجة من الغباء والخيانة والنظر تحت القدمين كمن يريد أن يتدفأ فيشعل ناراً فى المركب الكبير الذى يحمل الجميع متوارياً خلف القطيع.. فهل حان وقت أن ندرك الدرس قبل أن يضغط على الزناد ونصبح ماضياً مخزياً ودرساً آخر من التاريخ؟

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر الوطن وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى