اخبار السياسه «معاوية».. أمير الدهاء (1)

كثيرون يقرأون سيرة معاوية بن أبى سفيان، فيأخذهم قدر لا بأس به من الانزعاج إزاء المسالك التى سلكها حتى وصل إلى كرسى الخلافة، ومواقفه التى كانت تحكمها الحسابات الدنيوية أكثر مما تحركها الروادع الأخلاقية، لكن أى منصف لا يستطيع أن ينكر على الرجل قدراته السياسية وكفاءته فى الحكم، وعبقريته فى إدارة المواقف بشكل يمكنه من تحقيق أهدافه. جوهر تفرّد هذه الشخصية يرتبط بالوعى المرهف بالذات. كان «معاوية» يرى شخصيته كما هى، يدركها فى حجمها الطبيعى دون زيادة أو نقصان، يفهم نقاط ضعفه جيداً ونقاط قوته بدرجة جيدة جداً، وكان بالإضافة إلى ذلك عظيم القدرة على فهم نقاط ضعف وقوة المحيطين به. اقرأ كيف يصف «معاوية» نفسه مقارنة بالشيخين أبى بكر وعمر: «أما أبوبكر فلم يرد الدنيا ولم ترِده، وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يرِدها، وأما نحن فتمرغنا فيها ظهراً لبطن». لم يزعم «معاوية» لنفسه فضيلة ليست فيها، وفى الوقت نفسه لم يكن من الكبر بحيث لا يعترف للآخرين بما لهم من فضائل حتى ولو كانوا خصوماً له، ذرف «معاوية» الدموع -ذات يوم- وهو يسمع وصفاً للخصال الإيمانية لخصمه الأكبر على بن أبى طالب، وقال بعد أن سمع: «كذا كان أبوالحسن رحمه الله»!.

وعى «معاوية» لذاته ونقاط ضعفه وقوته هو الذى مكّنه منذ اللحظة الأولى التى وطئت فيها أقدامه أرض الشام فى عهد عمر بن الخطاب من ألا يتركها، وأن يجعل منها منصة انطلاق نحو مشروعه الكبير فى «مُلك المسلمين». اختار الشام على وجه التحديد، لأنها كانت المحطة الأهم التى يرسو فيها أبوه «أبوسفيان»، كبير تجار مكة، فى رحلاته التجارية، وكان لبنى أمية صلات عميقة بكبار رجالات الشام، ولعلك تعلم أن أبا سفيان كان لديه قناعة بأن النبى صلى الله عليه وسلم يبنى ملكاً، وذلك قبل أن يحسن إسلامه. وقد قال للعباس وهو ينظر إلى محمد بين صحابته خلال فتح مكة: «لقد أصبح مُلك ابن أخيك عظيماً»، فقاطعه «العباس» قائلاً: «إنها النبوة يا أبا سفيان».

أورد «العقاد» فى كتابه «معاوية بن أبى سفيان» حواراً شديد الدلالة على مسألة الوعى بالذات، جمع كلاً من معاوية وعمرو بن العاص: «سأل معاويةُ عمرو بنَ العاص: ما بلغ من عقلك؟ قال: ما دخلت فى شىء قط إلا خرجت منه. قال معاوية: لكننى ما دخلت فى شىء قط وأردت الخروج منه». كان مبلغ ذكاء عمرو بن العاص أن يعرف كيف يخرج من أمر وضع نفسه فيه، عندما يشعر بالخطر، أما «معاوية» فلم يدخل شيئاً قط وأراد الخروج منه. جوهر ما تعبر عنه المقالة التى رددها «معاوية» أنه رجل يعلم قدراته جيداً من ناحية، ولديه من ناحية أخرى قدرة على «تقدير المواقف»، فهو يجيد حساب النتائج قبل أن يقدم على أية خطوة، وعندما يطمئن إلى أن قدراته سوف تمكنه من الدخول فى الأمر، وتهديه حساباته إلى أن فى مكنته السيطرة على عناصره، فإنه يقدم بلا تردد، وبالتالى لا يكون لديه أى مبرر للخروج منه.. دماغ!.

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر الوطن وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى