«جنيف 8».. سوريا بين طاولة تفاوض وقاذف مدفعية

«جنيف 8».. سوريا بين طاولة تفاوض وقاذف مدفعية
«جنيف 8».. سوريا بين طاولة تفاوض وقاذف مدفعية
"لن تصلك طاولة المفاوضات أبعد مما يطاله قاذف مدفعيتك".. يبدو أنّ نظام الرئيس السوري بشار الأسد أراد أن يبعث برسالة قبل وبالتزامن مع محادثات "جنيف 8" الرامية إلى حل سياسي للأزمة السورية، يرونه بعيدًا.

 

بدأت الجولة الراهنة من "جنيف"، وهي الثامنة منذ 2016، يوم الثلاثاء الماضي، ووصفها المبعوث الأممي إلى سوريا دي ميستورا بأنها "ليست اعتيادية" متحدثًا عن مناخ مهني وجدي للنقاشات مقارنة مع الجولات السابقة.

 

عن مضمون هذه النقاشات، أكّد المبعوث أنّ مسألة الرئاسة لم تناقش، في إشارة إلى مصير بشار الأسد الذي تطالب المعارضة بتنحيه مع بدء مرحلة الانتقال السياسي، قبل أن تتحول الثورة إلى حرب واسعة، يقاتل فيها الكل ضد الكل، وهو ما دفع السوريون أثمانًا لا تضاهيها أثمان، إذ تتحدث الأرقام عن ملايين القتلى والمشردين والمجاهرين وفي بعض أحوالها يكونون مُهجّرين.

 

الأمم المتحدة أعلنت - أمس الأول الخميس - أنّها ستمدّد حتى منتصف ديسمبر الجاري، جولة المحادثات السورية في جنيف التي تستهدف بلورة حل سياسي لإنهاء الحرب، على أنّ تتضمن استراحةً يمكن للوفود السفر خلالها اعتبارًا من اليوم السبت على أن تستأنف المحادثات يوم الثلاثاء المقبل.

 

ودعا "الموفد الدولي" وفدي الحكومة والمعارضة للتخلي عن "الشروط المسبقة" والتركيز على إنجاز "تقدم حقيقي" في المحادثات.

 

ولم يدل وفدا الحكومة والمعارضة بأي تصريحات إثر لقاء دي ميستورا الذي قال: "أجرينا للمرة الأولى اجتماعات عن قرب ومتوازية بين الطرفين".

 

وأوضح أنه تنقّل بشكل "مكوكي" بين القاعتين اللتين فصلتهما عن بعضهما خمسة أمتار.

 

وكان "المبعوث الدولي" يأمل بعقد مفاوضات مباشرة بين الطرفين في هذه الجولة التي تركز بشكل خاص على آليات صياغة دستور وإجراء انتخابات بإشراف الأمم المتحدة.

 

وردًا على سؤال حول تعذر ذلك، أجاب: "لنكن صريحين، التواصل المباشر هو دائمًا جيد، ولكن الأهم أن نكون قادرين على تبادل الآراء"، وهو ما يحصل على حد قوله.

 

وحدد دي ميستورا عددًا من الضوابط لضمان سير المحادثات، معتبرًا أنّ الوقت حان للتركيز على تحقيق تقدم حقيقي في العملية السياسية من أجل الشعب السوري، وحضّ الوفدين على المشاركة بجدية في المباحثات بدون أي شروط مسبقة، مطالبًا الطرفين بالامتناع عن الإدلاء بأي تصريحات تهدف إلى الطعن في شرعية أي من المدعوين الآخرين.

 

وأبدت المعارضة في الأيام الأخيرة، استعدادها لمفاوضات مباشرة، وقال رئيس الوفد نصر الحريري يوم الأربعاء الماضي: "نريد التحرك سريعًا نحو مفاوضات مباشرة".

 

في المقابل، جزم مصدر سوري مطلع على مجريات المفاوضات لوكالة الأنباء الفرنسية أنّه لن تكون هناك من مفاوضات مباشرة خلال هذه الجولة مع وفد الرياض، في إشارة إلى المعارضة.

 

الوفد الحكومي كان قد وصل جنيف الأربعاء الماضي، بعد تأخر ليوم واحد احتجاجًا على تصريحات لرئيس وفد المعارضة والمشاركين في اجتماع الرياض تمسكت بمطلب تنحي الأسد.

 

يأتي هذا فيما توقعت مصادر دبلوماسية أن تخفض المعارضة سقف شروطها لإعطاء دفع للمحادثات، لكن قياديين في وفد المعارضة ينفون تعرضهم لأي ضغوط بهذا الصدد.

 

وأكّد قيادي في الوفد المعارض لوكالة الأنباء الفرنسية رافضًا الكشف عن اسمه، تمسك المعارضة بتحقيق الانتقال السياسي وفق ما نص عليه بيان جنيف والقرارات الدولية ذات الصلة، معتبرًا أنّ التخلي عن مطلب تنحي الأسد يعني نهاية المعارضة.

 

بالعودة إلى الواقع الميداني، يشارك الوفد الحكومي في هذه الجولة بعد تحقيقه سلسلة انتصارات ميدانية بدعم مباشر من حلفائه خصوصا روسيا، ما يعزز موقعه التفاوضي، بحسب محللين.

 

72 ساعة قبل "جنيف 8" سقط فيها 160 قتيلًا، في الغوطة الشرقية ودير الزور والبوكمال شرقي سوريا.

 

وسائل إعلام مقربة من المعارضة، أوردت تفاصيل ما أسمتها "مجزرة" ارتكبتها القوات الروسية و"النظامية الأسدية" في دير الزور.

 

القصف استهدف قريةً قرية الشعفة، التي تقع بمحاذاة الضفة الشرقية لنهر الفرات، وتخضع لسيطرة تنظيم "الدولة"، لكنّ سقط فيها 53 قتيلًا من المدنيين على الأقل بينهم 21 طفلاً، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، فيما نفت روسيا أي علاقة لها بالقصف، وسط تجدد القصف على الغوطة الشرقية.

 

كما قتل 18 مدنيًّا جرّاء تجدد قصف الجيش السوري على الغوطة الشرقية، واستهدفت غارات جوية وقصف المدفعية مناطق عدة في الغوطة ما أدى إلى مقتل 18 مدنيًّا، وذلك غداة مقتل 23 مدنيًّا في المنطقة نتيجة غارات لطائرات النظام ونيران المدفعية، بينهم 4 أطفال، وفاقت حصيلة القتلى خلال الأسبوعين الماضيين 100 شخص، وفق المرصد.

 

لا يبتعد هذا التصعيد العسكري الملحوظ من قبل النظام وحليفه الروسي، عن التطورات السياسية الراهنة، إذ ارتبط إلى حد بعيد بمفاوضات جنيف وكأنّها رسالة بأنّ النظام يفرض سلطته وله القوة التي تمكّنه من الحفاظ على بقائه، حتى وإن كان بدعم روسي، يُقال إنّ المعارضة إذا كانت قد تلقت دعمًا مشابهًا لاختلفت الموازين على الأرض.

 

تضاف إلى ذلك، "قمة سوتشي" التي جمعت رؤساء روسيا وتركيا وإيران، ولم يعد الحديث قائمًا عن رحيل الأسد، فضلًا عن تراجع دول إقليمية، لا سيّما السعودية، بشكل أو بآخر عن مطلبها ذاك، وبالتالي بات الحديث عن حلحلة نوعية في الأزمة السورية، لا يُستبعد الأسد من مستقبلها.

 

وهنا اعتبر محللون الأمر بمثابة شهادة وفاة للثورة، التي خرجت قبل سنوات من أجل إسقاط "النظام الأسدي"، لكنّ الحسم من ذلك لا يمثل قوة له بقدر ما هو بفضل الدعم اللامحدود من روسيا والميليشيات الإيرانية، وبالتالي خسرت المعارضة مناطق سيطرتها، ربما يجعلها ذلك لا تجرؤ على المطالبة برحيل رأس النظام.

 

في حديثه لـ"مصر العربية"، يقول المحلل السوري ميسرة بكور: "سلوك تنظيم دمشق المشار إليه ليس سلوك نظام يريد الحل أو الانتقال أو فكر بالتخلي عن أي جزء من أجزاء السلطة التي يعض عليها بالنواز منذ أربعة عقود هي حكم عائلة الأسد لسوريا".

 

وتساءل: "لماذا يصر دي ميستورا على القفز فوق الاستحقاقات وترتيبها المنطقي؟، ولماذا يصر المبعوث الأممي ومن خلفه موسكو على مناقشة موضوع الإصلاحات الدستورية وإجراء انتخابات شفافه على حد زعمهم، يشارك فيها كل السوريين، وهنا نسأل هل بشار الأسد وتنظيمه هم ضمن السوريين المفترض بهم الترشح والانتخاب". 

 

مؤتمر الرياض - يرى بكور - أنّه مثّل فرصةً في غاية الأهمية أتاحتها السعودية للتيارات المعارضة ومنصاتها المتقاربة والمتباعدة والمصنعة في موسكو ومنصاتها، لتشكيل وفد واحد موحد يحمل على عاتقه ثوابت الثورة ومواجهة الأسد بوفد واحد يتحدث باسم جميع السوريين الرافضين لحكم تنظيم الأسد والمليشيات الداعمة له متعددة الجنسيات.

 

وتابع: "للأسف لم يحصل هذا، بل خرجنا بوفد محاصصة ومساومة ومحسوبيات، ولم نخرج بوفد يعبر عن الثورة، وسؤال آخر يضاف إلى جملة التساؤلات التي طرحت حول بيان الرياض ووفد المعارضة، لماذا تمت إعادة تكليف نصر الحريري رئيسًا للوفد؟ هل هي مكافئة له على فشله في جنيف السابق، أم لأنه مجرد واجهة للوبيات ومراكز القوة في الفصائل المعارضة بعيدًا عن التمسك بالثوابت".

 

وواصل قائلًا: "بعيدًا عمّا قيل عن تشكيلة هذا الوفد وبيانه الختامي الذي قالوا فيه إنهم متمسكون بالثوابت وبرحيل الأسد في بداية العملية الانتقالية، لكنهم قبلوا الولوج إلى جنيف ثمانية دون شروط إرضاءً لموسكو، وقبلوا أن تكون سوريا غير مركزية إرضاءً لواشنطن وموسكو الداعمتين للتنظيمات الكردية المتطلعة لإنشاء إدارة كردية خاصة بهم، وهذه الموافقة غير المعروفة فتحت على المعارضة والثورة أبوابًا لن يستطيعوا أن يخرجوا منها، مع العلم أنّ حكومة تنظيم دمشق تعتمد اللامركزية الإدارية عن طريق إدارة المحافظات والبلديات ومجالس المدن".

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر مصر العربية وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى