معمل تكرير مسطرد.. نموذج للأمل ضد مناخ الإحباط اقتصاد

معمل تكرير مسطرد.. نموذج للأمل ضد مناخ الإحباط اقتصاد
معمل تكرير مسطرد.. نموذج للأمل ضد مناخ الإحباط اقتصاد

الثلاثاء 4 أكتوبر 2016 09:28 مساءً أكبر مشروع خاص فى مصر وأفريقيا باستثمارات ٣.٧ مليار دولار
يوفر نصف استيراد مصر من السولار والبوتاجاز ووقود النفاثات
يوفر 2 مليار دولار قيمة 4.8 مليون طن وقود نستوردها من الخارج
يقع على مساحة ٣٧٠ ألف متر ويعمل به ٩٣٠٠ مصرى و٢٠٠ كورى ويابانى
متوافق مع البيئة المحلية ومطابق للمواصفات الأوروبية

قوافل طبية ومنح دراسية ودورات كمبيوتر ولغات لأهالى المنطقة


وسط مناخ عام من الأخبار المحبطة، كنت محظوظا أن أشهد نموذجا للنجاح والأمل، وأن هناك فعلا إمكانية حقيقية أن نخرج من مشاكلنا التى نتصور أنها صعبة ومستحيلة، لكن بشرط جوهرى هو، أن نلتزم بالعلم والمعرفة والتخطيط ونسف الروتين القاتل، وتوافر الإمكانات وان نتوقف عن الفهلوة والهمبكة.

النموذج الذى رأيته صباح السبت قبل الماضى هو «الشركة المصرية للتكرير» أو معمل التكرير الذى يقع فى منطقة مسطرد بالقليوبية قرب الطريق الدائرى، باستثمارات تصل إلى ٣.٧ مليار دولار، بما يجعله أكبر مشروع قطاع خاص فى مصر وقارة أفريقيا بأكملها.

رأس مال المشروع 1.1 مليار دولار، والباقى قروض، وهى عبارة عن 900 مليون دولار من الحكومة اليابانية و800 مليون دولار من الحكومة الكورية الجنوبية، و٤٥٠ مليون دولار من الاتحاد الأوروبى و220 مليونا من بنك التنمية الأفريقى و٢٠٠ مليون دولار من شركة ميتسوى اليابانية.

قد يسأل البعض: ولماذا هو مشروع مهم ومبشر ونموذج للنجاح لهذه الدرجة؟.

السبب ببساطة أن المشروع أو معمل التكرير عندما يبدأ الإنتاج فى النصف الثانى من العام المقبل أو خريف 2017، سوف يوفر نصف ما تستورده مصر من احتياجاتها من الوقود.

المعروف أن مصر تستهلك الآن نحو ٤٠ مليون طن منتجات سائلة من الوقود بخلاف الغاز. والمعمل يوفر ٤.٨ مليون طن سنويا أى نحو اكثر من ١٢٪ من مجمل احتياجات السوق المصرية ونصف ما تستورده من منتجات الديزل.

المساهمون أو ملاك المعمل هم الحكومة المصرية ممثلة فى الهيئة العامة للبترول بنسبة ٢٤.٥٪، وشركة القلعة بنسبة 19٪ ونسب أخرى متفاوتة لمستثمرين خليجيين وحكومات وبنوك أوروبية مثل ألمانيا وهولندا وهيئات تمويل دولية.

تم الانتهاء من 90% من المشروع وعندما يبدأ الإنتاج قريبا سيوفر المشروع ٢.٣ مليون طن سنويا من السولار ومليون طن من وقود الطائرات النفاثة، إضافة إلى كميات أخرى من مشتقات البنزين والبوتاجاز والفحم والكبريت والبنزين.

المشروع يقام على مساحة ٣٧٠ ألف متر مربع إضافة إلى قطعة ارض ملاصقة مساحتها مائة ألف متر مملوكة لجامعة الأزهر وتم استئجارها منه، لاستخدامها كمنطقة تخزين لمعدات وآلات المشروع.

المشروع يعمل به الآن ٩٥٠٠ عامل ومهندس وإدارى، جميعهم مصريون، ما عدا ٢٠٠ أجنبى غالبيتهم من كوريا واليابان. وبالتالى فإنه وفر هذا العدد الكبير من فرص العمل، وجزءا منها لأهالى المنطقة.

المهندسون والمشرفون المصريون والأجانب يجلسون فى وحدات إدارية على أعلى مستوى، وأمامهم أجهزة الكمبيوتر الحديثة.

على أرض المشروع يمكنك أن تلاحظ التزام الجميع بأعلى معايير السلامة، من أول ارتداء الأحذية الخاصة والكمامات نهاية بالسترة والخوذة. الانضباط واضح تماما، والأمور كما رأيتها تسير بانتظام ملحوظ، للأسف غير متوافر فى العديد من المنشآت الحكومية.

ويخضع العاملون جميعا لاختيارات متعددة للتأكد من جاهزيتهم للعمل، الذى يتطلب العديد من المهارات والكفاءات. وتكاد إدارة المشروع أن تنتهى من التعاقد مع غالبية الذين سيعملون فيه بصفة دائمة بعد بدء الإنتاج. وقد واجه المشروع مشكلة تتمثل فى توافر العمالة الفنية المدربة خصوصا فى مجال اللحام.

المشروع عملاق فعلا، وبه وحدات أساسية هى وحدة تقطير، والثانية تكسير الهيدروجين والثالثة وحدة التفحيم والرابعة معالجة الديزل وأخيرا وحدة معالجة النافتا.

فكرة المشروع قائمة على الحصول على المازوت من معمل القاهرة التابع لهيئة البترول، ويخضع ذلك للعديد من العمليات والمعالجات، بحيث تعطى فى النهاية المنتجات التى يحتاجها المواطن والمجتمع المصرى كل يوم مثل الكيروسين والبوتاجاز والسولار ووقود الطائرات وخلافه.

وإذا كنا ندرك أن أحد أسباب مشكلتنا الاقتصادية المتفاقمة هى أننا نستورد جزءا كبيرا من احتياجاتنا من منتجات الوقود، فسوف ندرك أهمية هذا المعمل الذى سيساهم فى تخفيض فاتورة الاستيراد وسيترتب عليه توفير 300 مليون دولار حسب الهيئة العامة للبترول.

أحد الجوانب المضيئة فى المشروع أن البعد البيئى كان حاضرا بقوة منذ بدايته وحتى الآن. هو مصمم للقضاء على ثانى أكسيد الكبريت بدلا من خروجه ليلوث الهواء. مياه المشروع يتم التعامل معها فى «دورة مغلقة»، كما أنه لن يتم أى صرف ملوث فى مياه النيل، أو فى ترعة الاسماعيلية التى تمر بجواره.

معمل التكرير أنفق نحو سبعين مليون دولار لتحسين وتطوير معمل القاهرة الحكومى المجاور له مباشرة حتى يكون أكثر توافقا مع البيئة، خاصة أن هذا المعمل سيكون المورد الرئيسى للمواد الخام للمعمل الجديد.

وزارة البيئة أشادت أكثر من مرة بالمواصفات البيئية، وعندما اعترض البعض، قالت الوزارة إن هذا المشروع من أكثر المشروعات توافقا مع البيئة و«يضرب به المثل»، وتمكن المشروع من جعل منتجاته مطابقة للمعايير التى يضعها الاتحاد الأوروبى التى تم تطبيقها منذ ثلاث سنوات، وبالتالى فالمعمل يمكنه تصدير منتجاته إلى أوروبا.

وإذا كان المشروع متوافقا مع البيئة، فإنه أكثر توافقا مع البيئة الإنسانية المحيطة.

عندما ذهبت إلى المشروع كنت برفقة الدكتور أحمد هيكل رئيس مجلس إدارة شركة القلعة. شرح لى الرجل فى جولة ميدانية شاملة وممتعة، تفاصيل العمل بصورة شديدة السلاسة.

هيكل كان حريصا على التأكيد على علاقة المشروع بالمواطنين المقيمين فى المنطقة. فى تقديره أن نجاح المشروع وغيره من المشاريع، يعتمد فى جزء منه على مساعدة المجتمع المحيط، وبما أن ذلك حدث بالفعل، فقد صار مواطنو المنطقة ليس فقط متحمسين للمشروع، بل يدافعون عنه ضد أى متربص.

معمل التكرير نظم برامج عمل مختلفة للمنطقة، منها مشروعات صغيرة للشباب، وبرنامج «نظارتى» للكشف على أهالى المنطقة وتقديم نظارة لكل من يحتاجها، كما قام بتأهيل مدارس فى المنطقة، وتبنى إرسال ثلاثين مدرسا للحصول على دورات فى الجامعة الأمريكية، وخمس منح للطلاب المتفوقين إلى الأكاديمية العربية للنقل البحرى ومنحة فى الجامعة الأمريكية سنويا، إضافة إلى تنظيم دورات فى الكمبيوتر واللغة الإنجليزية لأبناء المنطقة.

وفى تقدير شركة القلعة فإنه عندما يبدأ الإنتاج فعليا فى المشروع، فإن شكل المنطقة سوف يتغير بالتدريج إلى الأفضل. وقد تم بناء جسرين على ترعة الإسماعيلية لنقل المعدات الثقيلة.

الخطوات الأولى للمشروع بدأت عام ٢٠٠٦ بمذكرة تفاهم بين شركة القلعة مع الهيئة العامة للبترول، لم يتصور أحد وقتها أن ينجح المشروع، لسبب جوهرى هو عدم وجود ممول لمثل هذه المشروعات كبيرة الحجم أو وجود ممولين لكنهم يخافون من المخاطرة بتمويل هذه المشروعات الكبيرة.

وصادف المشروع ظروفا وملابسات استثنائية، خصوصا الأزمة المالية العالمية عام ٢٠٠٨، ثم جاءت ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، وكان مفترضا أن يتم اكتمال «الإقفال المالى» فى ٣١ يناير ٢٠١١. وبسبب الثورة توقف كل شىء. وقتها كانت الشركة على مشارف إتمام واستكمال رأس المال بمبلغ 400 مليون دولار، والنتيجة أن أصحاب المشروع اضطروا إلى إلغاء هذه التعاقدات، فالبنوك لا تعطى قروضها للمشروع إلا عندما تكتمل حزمة التمويل، وهو ما يطلق عليه «الإقفال المالى»، وهكذا توقف العمل لفترة، ثم تحركت الأمور واكتمل «الإقفال المالى» يوم 14 يونيو ٢٠١٢، قبل أيام قليلة من جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية بين أحمد شفيق ومحمد مرسى.

وتقول شركة القلعة إنها أسست نحو ٢٣ شركة. كانت تتسلم قطعة أرض فضاء، وتقيم عليها مشروعا، سواء كان مصنعا أو شركة، رأسمالها أو استثماراتها تبدأ من ٢٠٠ مليون جنيه حتى أربعة مليارات جنيه. لكن هذا المشروع أى معمل التكرير مختلف تماما، صادف صعوبات وظروفا غاية فى الصعوبة فهو يعنى استثمارات قدرها ٣٥ مليار جنيه، لكنه صار مشروعا يمكن لكل مصرى ان يفخر به.

هو مشروع يمثل ــ مع الزيادة الكبيرة فى إنتاج الغاز ــ أحد الآمال الرئيسية فى خروج مصر من مشكلتها الأساسية خصوصا فى موضوع الوقود.

واجه هذا المشروع عقبات لا حصر لها إدارية وفنية، لكن بالمعافرة والمجاهدة، اكتمل المشروع أو يكاد.

عندما انتهت الجولة احسست فعلا انه بالإصرار والعزيمة والمعافرة وعدم اليأس يمكن ان يتحقق النجاح، وان معظم مشاكلنا قابلة للحل فعلا.

لو كنت مكان كبار المسئولين لزرت هذا المشروع فورا، وقدمت له كل أنواع الدعم التى يحتاجها خصوصا الدعم المعنوى، ولو كنت مسئولا ايضا لنظمت رحلات للمواطنين إليه حتى يدرك الناس معنى المشروع الكبير أو الاستراتيجى.

لو كان لدينا خمسة أو ستة مشروعات من هذه النوعية فسوف تنتهى مشكلة الوقود فى مصر تماما.
ولو تم تعميم هذا النموذج فى مشاكل وقضايا أخرى تعانى منها مصر، فسوف يتم حلها. فقط عندما يتم اعتماد المنطق والعقل والتخطيط والقضاء على الروتين ووضع الرجل المناسب فى المكان المناسب.

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر بوابة الشروق وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى