اخبار السياسه الحج.. الكسوة.. المحمل.. زمان

كنت أظن زمان أن «المحمل» هو كسوة الكعبة المشرفة محمولة على جمل يسير فى قافلة الحجاج كل عام.. ولكن الحقيقة أن المحمل كان رمزاً للدولة المصرية. والحكاية بدأت مع الملكة «أم خليل» أو «شجرة الدر»، زوجة السلطان الصالح نجم الدين أيوب، فى عام 1265 ميلادى بالتقريب.. وأدت «شجرة الدر» مناسك الحج فى هودج رائع على ظهر جمل. وفى العام التالى أرسلت الهودج الذى سافرت فيه على جمل مع قافلة الحجاج لإضفاء هيبة الدولة المصرية على القافلة، وبعدها ذهب السلطان الظاهر بيبرس إلى الحج واصطحب معه الهودج، وصار المحمل هذا عُرفاً يرسله الأمراء والسلاطين الذين تعاقبوا على حكم مصر كرمز للسلطنة أو الملكية. وبدأ ملوك البلدان الأخرى يفعلون مثل حكام مصر، إلى أن جاء الوهابيون وحرّموا المحمل واعتبروه أبهة عبثية، ثم اعترضوا على القوافل بشكل عام. وقبل حروب الوهابيين، أيام محمد على 1812م، كان الحج قد مُنع فوق الخمس سنوات. والمحمل عبارة عن مربع خشبى ذى قمة هرمية يغطى بالقماش المقصب باللون الأسود نُقشت عليه كتابات كثيرة ومطرز بالذهب، وأرضيته من الحرير الأخضر والأحمر، ويتدلى من حروفه المربعة شرّابات عُلقت فيها كرات من الفضة، وفى الجزء العلوى الأمامى من الهرم منظر للكعبة مشغول بالذهب، وفوق قمة الهرم رمز السلطان، وفى كل ركن من أركان الصندوق المربع كرة من الفضة. ولا يضم المحمل سوى مصحفين، أحدهما فى لفائف مكتوبة فى داخل صندوق صغير يوضع داخل صندوق المحمل، والثانى فى كتاب صغير فى غلاف فضّى برّاق معلق أعلى الواجهة العلوية. يوضع هذا المحمل على ظهر جمل طويل يُعفى باقى حياته من أى أعمال شاقة، ويظل فى راحة تامة وعناية شديدة حتى موسم الحج ليذهب ويعود.

كان المحمل يسير فى شوارع القاهرة التى تكون فى هذا اليوم مكتظة بالناس حتى يصل إلى ميدان «الرميلة»، ثم ميدان «قره ميدان»، ثم تطلق القلعة اثنتى عشرة طلقة مدفع، ثم بعد ذلك يسير المحمل إلى باب الوزير ويدخل إلى القلعة. وفى أيام محمد على كان المدعوون من الضيوف وكبار رجال الدولة موجودين من الصباح الباكر بالقلعة، حيث تبدأ القافلة بالرحيل. وتضم القافلة فرقاً مختلفة من طبقات الجيش ومختلف الجماعات الدينية ورؤساء الطرق الصوفية، ويتحرك الركب إلى أسفل القلعة حيث ميدان «قره قول» وقد أقيم فيه سرادق من القطيفة الحمراء المذهبة ويوجد داخل السرادق محمد على أو من ينوب عنه، ثم بعد سنوات كان يوجد الخديو أو من ينوب عنه.

وعن شاهد عيان لحفل خروج المحمل وسفر الحجاج أيام الخديو إسماعيل كان الأمير توفيق باشا ولى العهد يمثل والده الخديو فى الحفل وكان معه فى السرادق الوزراء وفضيلة القاضى والمفتى وشيخ الأزهر وكبار رجال الدين والعسكريين ثم كبار رجال القصر. وبعد جلوس المدعوين تأتى الكسوة أولاً، ثم يأتى خلفها المحمل الذى يقف بالجمل أمام سرادق الخديوى، وتقدم سمو الأمير توفيق وأمسك الجمل من «مقوده» وسلمه إلى فضيلة الشيخ أمير الحج، وبهذا يكون قد منحه السلطة على جميع المسافرين إلى الحج ويتحرك الموكب ويتبعه «الرجل العارى» حتى الخصر وشعره مضفر وطويل فوق جمل. ويبدو أنه أحد الدراويش لأنه يكون فى حالة هيام ونشوة روحية تامة.. ويتبع الرجل الحجاج وعائلاتهم فوق الجمال التى تكون «مزوّقة» بالألوان الزاهية. يخترق الموكب شوارع القاهرة القديمة متجهاً إلى باب النصر، وتغلق المحلات فى يوم خروج المحمل، وتكتظ الشوارع بالآلاف من الجماهير فى أحسن صورة من حيث الملابس والتزين، وترتفع فوق أسطح المنازل «البيارق» الملونة وفروع النخيل، وتمتلئ أسطح المنازل بالأهالى نساء ورجالاً للمشاهدة.

يسير الموكب ليعسكر فى الصحراء فى منطقة «الحصوة»، وهى تقريباً مكان المستشفى اليونانى والإيطالى الآن بالعباسية، ويستمر معسكر الحجاج فى منطقة الحصوة ثلاثة أيام، ثم يتحرك إلى «بركة الحاج» ويبيتون بها يوماً، ثم تسير القافلة إلى خليج السويس «درب الحجاج»، ومنها إلى خليج العقبة، ثم يسير الموكب بحذاء الشاطئ حتى رأس نصرانى، ثم يتم العبور لهذا الجزء من المياه إلى جزيرة تيران، ثم إلى صنافير، ثم إلى أرض الحجاز، إلى مكة المكرمة. وهذا هو طريق الحج القديم.. أما كسوة الكعبة التى كانت تُصنع بالقاهرة فى دار الكسوة بالخرنفش منذ أيام محمد على، وقبل ذلك، وأيام السلاطين المماليك خاصة الظاهر بيبرس كانت تُنسج الكسوة فى مدينة «تانيس» قرب دمياط، وفى أيام «محمد على» كانت تُصنع الكسوة من أجزاء صغيرة كل جزء «ربع» وترسل إلى «الحسين» لتبطينها بالقماش وتوصيلها ببعضها البعض.. ثم «الحزام» وهو مكون من أربعة أجزاء أيضاً، ثم ستارة لباب الكعبة، ثم رداء أو غطاء لقبر سيدنا إبراهيم عليه السلام. وكانت كسوة تغطية قبر الرسول عليه الصلاة والسلام ترسل من دمشق.. كانت قافلة خروج الحجاج يتقدمهم المحمل والكسوة تبدأ فى التحرك فى اليوم الثالث والعشرين من شوال، وكانت العودة نهاية شهر «صفر»، وكان هذا الشهر يسمى قديماً «نزلة الحج» ويخرج المصريون لاستقبال ذويهم من الحجاج إلى خارج أبواب القاهرة أو إلى الحصوة أو «بركة الحج»، أو إلى السويس، وهؤلاء هم المقتدرون.. حج مبرور وذنب مغفور إن شاء الله لكل أهلنا من الحجاج، وكل عام وأنتم بخير.. ومصر بألف خير.

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر الوطن وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق اخبار السياسه أحمد سعد يحتفل بتحقيق دويتو «سبب فرحتي» 50 مليون مشاهدة على يوتيوب
التالى اخبار السياسه عاجل.. قرار مفاجئ من الأهلي بشأن قضية الشيبي وحسين الشحات