اخبار السياسه شجون أكتوبرية.. حكايات وطن «89»

مع تساقط أوراق الخريف أمام شرفتى الصغيرة، متشحة بألوان الرحيل، مستسلمة لوعد رياح لا تنسى مواعيد ولا تنعى راحلين، عبثت أناملى بأوراق النتيجة بحثاً عنه.. ذلك اليوم الفارق فى حياتنا فلا يزال هو أجمل ما نحمل من كبرياء الوطن.. أتوارى من نفسى خجلاً وضآلة أمام رجال صنعوا التاريخ.. تعترينى ذكريات.. كلمات أكتبها استسلاماً لمواسم الشجون ثم أضن عليها ببعض النور لتظل حبيسة درج مظلم.. فهل تسمح لى يا صديقى بأن أفتح درجى الصغير، أنفض التراب عن بعض ما يئن به وأصحبك معى -كسُنّتى كل عام- فى رحلة بين حروف اختلط فيها الخيال بواقع أروع منه حتى كدت أفقد الخيط الرفيع بينهما؟.. ولكن أستميحك عذراً أن تترفق بحكاياتى؛ فهى طيف من الماضى يلتمس على استحياء أن يذكرنا بما لا يجب أن ننساه..

خصام النبلاء

طوابير طويلة أمام كل محطات الوقود مع بشائر شتاء ثقيل وصقيع قاتل.. هكذا كان الحال فى عواصم البلاد الأكثر غروراً فى العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة حيث ليالى الشمال فى تشرين لا تعرف الرحمة ولا تعبأ بشمس واهنة خلف غيومها المظلمة.. عندها وأثناء وقوفه (بجركن) خاوٍ كمواطنى العالم الثالث بحثاً عن وقود لسيارته الفارهة الجاثمة على أحد الطرق السريعة أو مدفأة منزله الفاخر شديد البرودة أدرك المنتخِب الأمريكى والأوروبى الخدعة الكبرى ومدى ضعف أنظمة كاذبة تستمد قوتها من سوء إدارة الآخرين لإمكانياتهم وقد زجت به فى حرب لا ناقة له فيها ولا جمل من أجل كيان مختلق اسمه إسرائيل.. وتعالت الأصوات مهددة الحكومات الفاشلة بالرحيل فتراجع الغرب وتوقف مد إسرائيل بالأسلحة وتطأطأت الرؤوس المتعجرفة وفشل كيسنجر اليهودى الباكى على طائرته الجاثمة بلا وقود أمام جلالة الملك فيصل فى الحصول على ما يريد بعد أن وأد جلالته ابتسامته السمجة بتجهم ورد دعابته السخيفة بأن لكل منا أمانيه وإذا كان كيسنجر يبحث عن وقود لطائرته فجلالته رجل طاعن فى السن ويتمنى أن يزور القدس قبل الرحيل.. وهكذا كان دفء المروءة بين الإخوة هو أول أسباب النصر.. وكان استقبال واحتفال شعب مصر الأسطورى بجلالته فى زيارته التاريخية وهو يطوف شوارع المحروسة هو تاج العرفان.. دون مزايدات من صغار النفوس بأن حرب البترول كانت فاتحة خير لثروات الخليج الذى أدرك قيمة ما يملك وتضاعف سعر نفطه فى البورصات العالمية.. ودون أن يخرج أحدهم معايراً بما كان ومضى من دور لمصر فى مساندة الإخوة والأخذ بيدهم إلى طريق الحضارة والعلم عندما كانت منارة له.. بل ذاب الجميع فى كيان واحد طالما نادى به الإسلام وترنمت به كل الديانات فكنا كالبنيان المرصوص.

وما أحوجنا إلى أن نقتدى بالسلف الصالح وقت الخصام.. السلف الراقى وليس ما يختزله الجهلاء إلى جلباب كان يرتديه الكفرة قبل الرسول ونقاب كانت وما زالت ترتديه نساء اليهود.. لنذكر ما يطفئ لهيب الضغائن والفرقة بين الإخوة فقد كان ابن عبدالرحمن بن عوف من أجود الناس وأكرمهم قالت له زوجته يوماً «إن أخوالك لئام يذكرونك فى الغنى ويهجرونك فى الشدائد». فقال لها «ما أجد فى ذلك إلا رحمة منهم؛ يأتون عندما أستطيع الوفاء بحق ضيافتهم ويبعدون حتى لا يُثقلوا علىّ فى وقت الضيق».. هكذا يفكر النبلاء ليرتقوا عن الأحقاد.. فالنبل الحقيقى هو ما نمارسه تجاه من نختلف معه لا من يوافق هوانا.. وبعيداً عن السياسة ومعادلاتها التى ليس فيها ثوابت ولا يعنينى منها سوى حق طفل مشرد فى بواكير الشتاء على حدود لا تحمل له سوى خيمة لا تستر عورة وخطر قذيفة لا تعرف وطناً.. زادت شجونى وسط ما يقوم به البعض من النفخ فى كير التدنى والتنابذ مع الشقيقة السعودية من الطرفين معبرين عن نفوس ضعيفة لا تحتمل الشدائد ينطبق عليها حديث الرسول الكريم «ليس القوى بالصرعة، إنما القوى من يملك نفسه عند الغضب».. فكل ما يفعلونه لن يجعل أياً منا أفضل بل يزيدنا جميعاً وهناً وضعفاً.. رحم الله العظماء الذين أورثونا مجد النصر.. وشرف النبلاء.. فلنحترم التاريخ ولا نجعل المواقف العابرة منعزلة عن الصورة الكاملة التى تعلن عن نفسها مع كل رفرفة علم فوق أرض الأنبياء.. فلتذهب السياسة إلى الجحيم.. إنه أكتوبر بشجونه وأحلام من رحلوا فأستحلفكم بكل قطرة دم ترفعوا عن الصغائر ولا تخذلوهم.

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر الوطن وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى