اخبار السياسه الإخوان والحق المر (٢)

(١) كان المستشار المأمون الهضيبى هجومياً بطبيعته، حاداً فى كثير من الأحيان فى التعامل مع الآخرين، سواء كانوا من الإخوان أو من غيرهم.. وقد سبب هذا مشكلات كثيرة، وربما أدى إلى نفور البعض منه أو تجرؤ البعض الآخر عليه.. وقد فوّتت هذه الطبيعة على الدعوة وعلى الجماعة خيراً كثيراً.. ولا شك أن وجود مصطفى مشهور كان يشكل عامل تهدئة وتلطيف لما يتمتع به من سماحة ولين، ورحم الله الجميع.. فى عام ١٩٨٧، خاض الإخوان انتخابات مجلس الشعب بالتحالف مع حزبى العمل والأحرار.. وقد فاز من التحالف ٦٠ عضواً، كان منهم ٣٦ عضواً من الإخوان.. وقد حصل حزب الوفد على عدد أقل من المقاعد.. كان من بين الإخوان المأمون الهضيبى، محمد مهدى عاكف، أحمد البس، إبراهيم أبوطالب، لاشين أبوشنب، سيف الإسلام حسن البنا، محفوظ حلمى، عبدالعظيم المغربى، محمد حسين، مختار نوح، عصام العريان، عبدالحى الفرماوى، محمد طوسون، فؤاد عبدالمجيد، محيى الدين عيسى، حسن الحسنى، محمد حبيب.. وكان من الفائزين بعضوية المجلس المهندس إبراهيم شكرى، رئيس حزب العمل، الذى أصبح بحكم موقعه زعيماً للمعارضة.. وقد قرر مكتب الإرشاد أن يكون المستشار المأمون الهضيبى رئيس كتلتنا البرلمانية، وكاتب هذه السطور نائباً له.. وبناءً على ذلك كان المهندس إبراهيم شكرى يجلس فى المكان المخصص لزعيم المعارضة، وعن يمينه المستشار «الهضيبى»، فمحمد حبيب.. كان التنسيق بين عناصر التحالف كاملاً، أو شبه كامل.. وقد تأثر المهندس إبراهيم شكرى بأداء الإخوان تأثراً بالغاً، فهم -على حد قوله- متفاهمون ومتناغمون كأوركسترا سيمفونى، فضلاً عن نشاطهم المتميز.. كان رئيس المجلس هو الدكتور رفعت المحجوب، رجل الاتحاد الاشتراكى، وعضو التنظيم السرى الطليعى.. ومن غير شك كان الرجل صاحب مواهب كبيرة وملكات متعددة وقدرات فائقة.. صحيح أنه كان يحاول أن يفسد على التحالف وحدته وتماسكه، لكنه كان يظهر تقديره واحترامه للمستشار «الهضيبى» بشكل واضح وذلك لعلمه وفقهه ومكانته وتاريخه.. كان يعطى الكلمة فى التعقيب أو المداخلة أثناء مناقشة أى موضوع للمهندس إبراهيم شكرى، كما كان يحرص على إعطائها أيضاً للمستشار «الهضيبى» الذى كان وجوده إضافة إلى المجلس.. وقد ساهم المستشار الهضيبى بحظ وافر فى الارتقاء بالمناقشات والحوارات التى كانت تجرى سواء داخل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية أو تحت القبة، وكانت له آراؤه القيّمة فى كثير من الموضوعات القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.. كما كان محل تقدير واحترام من الجميع، حتى نواب الحزب الوطنى، فإذا تكلم أنصتوا وأصغوا.. وقد اعترف هؤلاء، خاصة من كان منهم عضواً بالمجلس لفترات طويلة، أن مجلس «١٩٨٧ - ١٩٩٠»، كان من أهم المجالس ثراء وحيوية وفعالية.

(٢) لا أنسى موقف المستشار «الهضيبى» يوم مناقشة تعيين المستشار عبدالسلام حامد أحمد فى منصب المدعى العام الاشتراكى.. والذى حدث أن الدكتور «المحجوب»، رئيس المجلس، أعلن فى صبيحة يوم ٢٨/ ١١/ ١٩٨٧ عن رسالة من رئيس الجمهورية بانتهاء مدة المدعى العام الاشتراكى المستشار عبدالقادر أحمد على عبدالمجيد، وترشيح المستشار عبدالسلام حامد، رئيس محكمة استئناف بنى سويف بدلاً منه.. ولأن الأخير صاحب تاريخ يعرفه الإخوان جيداً، فإنه بمجرد ذكر اسمه كمرشح للمنصب، حدثت همهمة واستنكار بين الإخوان، وفوجئت بالمستشار «الهضيبى» يتلفت يميناً ويساراً وقد بدا عليه القلق والتوتر والانفعال، ثم يقوم من مكانه بجانبى -ودون أن يستشيرنى أو يأخذ رأيى فيما يفكر فيه وفيما هو مقدم عليه- ويتوجه إلى كل من الدكتور يوسف والى أمين الحزب الوطنى وكمال الشاذلى أمين التنظيم ورئيس الهيئة البرلمانية للحزب، ويتحدث إليهما بشأن اسم المرشح، وأن ثمة مآخذ كثيرة تحول دون الموافقة عليه لهذا المنصب، وأنه من الأفضل تسوية هذا الأمر والبحث عن حل يجنب المجلس والرأى العام إثارة هذه المآخذ.. كان موقف المستشار «الهضيبى» نبيلاً ومعبراً عن خلق إسلامى أصيل.. لكن جسور الثقة المفقودة دائماً، ونظرة السلطة إلى المعارضة بشكل عام والإخوان بصفة خاصة التى تشوبها الريبة والشك، فضلاً عن أن رسالة الترشيح مقبلة من رئيس الجمهورية وهو ما لا يستطيعان فعل أى شىء حياله، كل ذلك حال دون الوصول إلى الهدف النبيل الذى كان يسعى إليه «الهضيبى»، وبالتالى فإن محاولته إيجاد مخرج للمشكلة كان محكوماً عليها بالفشل.. ولو أن الرجل أخذ رأيى لما وافقت.. كنت أريد ألا نعطى نواب الحزب الوطنى إحساساً بالاعتراض منذ البداية، وألا تكون هناك مناقشة معهم حتى لا يأخذوا فرصة ليرتبوا أوراقهم ويسوقوا حججهم.. كنت أرجو أن نفاجئهم بما لا يتوقعونه، وإن كنت أعلم يقينا أن الموافقة على التعيين ستتم لا محالة فهذه هى عادتهم، لكن هكذا جرى قدر الله.. وقد أبلغنى المستشار «الهضيبى» أن الدكتور يوسف والى كان رده على المآخذ التى ذكرها عن المرشح هو: (إلا من تاب وآمن...)، أى إن الرجل إذا كان قد فعل كذا وكذا، فقد تاب وأناب، ومن ثم لا يجب أن يؤاخذ بما كان منه فى الماضى، وكأننا نتحدث عن دخول الرجل إلى الجنة، لا عن تولى منصب سوف يكون له أثره فى حياتنا!!

على أثر ذلك اجتمعت اللجنة العامة لمجلس الشعب برئاسة الدكتور «المحجوب» لمعرفة موقفها من ترشح الرجل، أو بالأحرى حشدها وراء الموافقة على الترشح.. وقد وافق الحاضرون (٢٧ عضواً) على الترشيح بنسبة ٦٠٪ تقريباً، وامتنع عن التصويت ياسين سراج الدين رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد.. فى تلك الليلة، اجتمعت الهيئة البرلمانية للحزب الوطنى للترتيب وتوزيع الأدوار لخوض المعركة فى اليوم التالى.. وقد تمت مناقشة المآخذ التى ساقها المستشار المأمون الهضيبى

حول المرشح وكيفية الرد عليها ودحضها والتعامل معها تحت القبة.. وفى صبيحة اليوم الموعود، فوجئنا بجميع نواب الحزب الوطنى يحضرون عن بكرة أبيهم إلى المجلس..

(وللحديث بقية إن شاء الله).

 

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر الوطن وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى