اخبار السياسه فلسفة الأديب تيشخوف

اخبار السياسه فلسفة الأديب تيشخوف
اخبار السياسه فلسفة الأديب تيشخوف

"أنطون تيشخوف".. لحظة اكتشاف حياة غير التي خُدعنا بها

عزز الأديب الروسي أنطون تشيخوف أفكارٌ فلسفية إنسانية، ووجودية ككل إذا شئنا التعبير بالعموم، بمجموعة قصصية قدمها لنا على مدار حياته، وبالتحديد من 1880: 1902 قبل وفاته بعامين،

نُشرت هذه القصص تحت عنوان "السيدة صاحبة الكلب وقصص أخرى" وتجمع اثنتنا عشرة قصة قصيرة تحمل في باطنها الكثير من المعاني والعِظات وتطرح الكثير من الأسئلة التي لا يُمكن تمريرها هكذا دون إهتمام..

تجلّت هذه المعاني الإبداعية بشدة في ثلاث قصصهم: (المنزل ذات العلّية، الراهب الأسود، وعنبر رقم 6) وما هذا الاختصاص، إلا للتميّز الطاغي عليهم وحتى الكامن في أعماق السطور.

1- المنزل ذو العلّية "قصة فنان"

" ولما كان القدر قد رماني بالفراغ الدائم، فقد كنت لا أفعل شيئًا على الإطلاق. كنت أقضي الساعات الطوال أنظر من نوافذي إلى السماء،والطيور، وممرات البستان"

يبدأ أنطون تيشخوف قصته "المنزل ذو العلّية" بعملية تأمل، مستخدمًا الراوي المصوِّر فيعكس خبرته الجمالية وكأن العالم لوحة فنّية يقوم بدراستها بتفاصيلها عبر التأمل، ويذكر الحالة التي كان يعيش عليها الراوي ومكان سكنه السابق الرتيب، وينتقل إلى مشهد الغروب في حديقة زارها بغير قصد، وحالة المنازل والأشجار العتيقة المُهملة، ومشهد الفتاتان الجميلتان جدًا رغم شحوبهن، فيصف الأولى بأنها نحيلة تملك شعر كستنائي، وفمٌ صغير، وعينين قاسيتين إن جاز التعبير، بينما الأخرى نحيلة لكن تملك فم واسع، وعينين واسعتين، خجولة كما بدا له، ويهتم برائحة المكان التي أسرته وبعثت في داخلة شيء ما ليس بقليل ربما ذكرته بماضي ما أو دفعته لإكتشاف شيء ما أخر جديد..

" أصعب شيء أن تعمل ولا تجد تعاطفًا من أحد، لا أدنى تعاطف"

يضع أنطون تشيخوف بهذا السطر أول حجر في بناء المعرفة وإدراك الحياة، وهو أن نُدرك مدى قسوة الحياة والعملية البراغماتية التي تمتلكنا، الحياة غير مُنصفة أو على الأقل لن تسير دائمًا وفق ما نُريد وننتظر، وهذا الانغماس في العمل يتجاهل إنسانيتنا بل يعدمها تمامًا..

يشير أيضًا إلى نموذج الحياة الفارغ المُمل، غيرالمستبد كما هو الحال في الحياة العملية التي تتجاهل الإنسان، رغم سلبيته أحيانًا، لكنه يُتيح للإنسان فُرصة تأملية خاصة في معنى الحياة، الوجود، والله، في هذا العالم وما وراءه، فيقول بذلك أن الحياة الفارغة المملة ليست هكذا في حقيقتها فصاحبها غالبًا مشغول بأمور فكرية ويعيش حالات لا يُمكن لأحد أن يراها ولا يستوعبها لأنها تجربة، والتجربة لايمكن التعبير عنها باللغة، التجربة لابد أن تُعاش.

2- الراهب الأسود

"الحقيقة الخالدة"

يُدرك أنطون تشيخوف الرغبة الإنسانية التي تكاد تقترب من الأزلية في أن يصبح الإنسان خالدًا (إلهًا) بالمعنى الدقيق،والتي يُمكن تحقيقها بالمعرفة والتسامي عن كل ما يشغل العامة، الخروج عن القطيع،والتفكير خارج الصندوق وخارج قوالب العامة، كشف الستارعن كل مجهول، البصمات التي نتركها خلف كل تجربة واكتشاف هي الأثر الخالد.

يعرض أيضًا الصراع بين مُنشدي الخلود والعوام المتهالكين وراء ملذات الحياة، والذي يصفهم "بأشخاص عاديين"، فمنشد الخلود أو "الحقيقة الخالدة" لديه أشباحه الخاصة، التي يتحاور ويعقد مناقشات فكرية معها ويشاركها فلسفاته الخاصة، مُنشغل دائمًا بأفكاره عن كل ما يشغل العوام، وما أن يُدرك العوام حالته وإختلافه، حتى يتصارعن معه وينعتونه بالجنون، ويسعون بكل جهد إلى قولبته وتشكيله على شاكلتهم، إنها عادة العوام دائمًا يتلذذون بإفساد كل ما هو جميل.

3- عنبر رقم 6

"إن التفكير الحر العميق الذي يسعى لفهم الحياة، والإحتقار التام لأباطيل الدنيا الحمقاء، هما النعمتان اللتان لم يعرف الإنسان شيئًا أسمى منهما"

يُعبر عن حالة الإشمئزاز ومكابدة الإنسان في دُنياه النابعة من عدم الفهم والإنغلاق وكبت الأفكار، ثم يُحدثنا عن العدميّة فما معنى أن أعيش هذا السيناريو مادام المشهد النهائي هو الموت؟ ما الغاية من هذه الحياة، إنه هراء لا معنى له، والحق أن أنطون تشيخوف هنا يطرح اسئلة فلسفية عميقة ذات معنى وهدف قوي فالأمر ليس عبثًا، لأنه بوصفه أديب مُدرك يحاول إيصال معنى السمو وإدراك معنى الحياة حتى وإن كان عدميًا فبإدراك العدم والمكابدة الناتجة عن هذا الإدراك يحصل الإنسان على غايته، الإدراك هو النافذة المطلة على الكمال الذي يُنشده الإنسان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تُعبِّر أفكار أنطون تيشخوف عن شخصية حقيقة فريدةٌ، تظهر للوهلة الأولى للقاريء أنها متشابهة ومكررة، لكن في حقيقتها تحمل معاني مختلفة، نافذة لفهم شيء جديد، أفكار ملتصقة بالكاتب عن لحظات استثنائية في حياته، وأحداث وظروف كابدها، إنتهت إلى ولادة هذه الأعمال الإبداعية.

" في طفولتي لم تكن لديّ طفولة"

عاش أنطون تشيخوف حياة صعبة بدأت 1860، طرح خلالها أعمال تجمع بين السخرية والحزن يُمكن التعبير عنها بمصطلح " التراجيكوميديا"، وأنتهت 1904 عن عمر 44 عام وكان للحظته الأخيرة ساحرًا، حتى أنه كتب السطر الأخير من حياته بنفسه ربما دون قصد لكنه تم وكان أخر ما قاله بالألمانية " ich sterbe.. إنني أموت ".

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر الوطن وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى