مذكرات نبيل شعث «حياتى.. من النكبة إلى الثورة» (الأخيرة): شاهد على الحرب الأهلية اللبنانية الشرق الاوسط

مذكرات نبيل شعث «حياتى.. من النكبة إلى الثورة» (الأخيرة): شاهد على الحرب الأهلية اللبنانية الشرق الاوسط
مذكرات نبيل شعث «حياتى.. من النكبة إلى الثورة» (الأخيرة): شاهد على الحرب الأهلية اللبنانية الشرق الاوسط

الثلاثاء 18 أكتوبر 2016 10:10 صباحاً - توليت حراسة «دكان» يملكه مسيحى داخل المنطقة الإسلامية ببيروت.. والتزمت بحماية كل المسيحيين


- «أبو جهاد» حرك جزءا من قواته باتجاه جنوب لبنان لإشعال الجبهة مع إسرائيل وشد العرب إلى الساحة لوقف الحرب


- عرفات اعتبر اشتباكات صيدا الممهدة للحرب جزءا من مخطط استعمارى صهيونى تنفذه الكتائب ودعا إلى مقاطعتها وعزلها


- مركز التخطيط التابع لفتح عمل بكل جهد لكى لا تنزلق الثورة الفلسطينية إلى حرب طائفية لبنانية.. وواجهنا هجوما قاسيا دون دعم من أبو عمار


- كنت أحد المستهدفين بحملة الاغتيالات الإسرائيلية التى قادتها «جولدا مائير»


- طلاب الجامعة الأمريكية فى بيروت دخلوا فى إضرابات وتصاعدت المشكلات الأمنية وتوقفت الدراسة


- رفضت طلب راتب من «فتح» تمسكا بموقفى كمتطوع فى الحركة.. ولم أقبل العمل موظفا عند قائدى


- قوات الكتائب ارتكبت مجزرة «تل الزعتر» التى أسفرت عن استشهاد أكثر من 2000 فلسطينى


فى الحلقة السادسة من مذكرات السياسى الفلسطينى البارز، مفوض العلاقات الدولية فى حركة فتح، الدكتور نبيل شعث، يقدم الرجل شهادته على جانب مهم فى تاريخ العرب الحديث، ويروى تفاصيل ما عايشه من أحداث الحربية الأهلية اللبنانية التى لا تزال تلقى بظلالها على الأوضاع فى الوطن العربى حتى الآن، ويكشف شعث فى سيرته الذاتية الصادرة أخيرا عن «دار الشروق» تحت عنوان: (حياتى.. من النكبة إلى الثورة)، عن محاولات حركة فتح لتجنب التورط فى الصراعات الطائفية والتيارات التى تجاذبت الموقف الفلسطينى فى آتون الحرب.. وإلى الحلقة السادسة.


فى 26 شباط (فبراير) 1975 خرجت تظاهرة شعبية فى صيدا، تأييدا للصيادين، ضد شركة بروتيين التى كان الرئيس اللبنانى السابق كميل شمعون يرأس مجلس إدارتها والتى تم منحها ترخيصا باحتكار صيد السمك على طول الشاطئ اللبنانى لمدة 99 عاما. توترت الأجواء وأطلق رصاص غزير، وذهب ضحية التظاهرة عريف فى الجيش اللبنانى ومواطن فلسطينى وسبعة جرحى، بينهم نائب صيدا السابق والزعيم الشعبى، نصير الفلسطينيين فى صيدا، معروف سعد. وفى أول آذار (مارس) سقط جنديان وعدد من الجرحى فى اشتباكات بين الجيش اللبنانى ومسلحين فى صيدا. فى 6 آذار (مارس) توفى معروف سعد بعد أسبوع من إصابته، فانفجرت الأوضاع فى صيدا، ما أدى إلى حرائق وقطع طرق وإطلاق رصاص فى بيروت، والعديد من المناوشات بين التنظيمات المسيحية المسلحة والفلسطينيين فى مناطق مخيم تل الزعتر والكحالة.


أذكر تماما قلق أبو عمار وتحركه السريع لتهدئة الأمور فى صيدا، وهى قاعدة فلسطينية مهمة بوجود مخيم عين الحلوة فيها، وهو أكبر المخيمات الفلسطينية فى لبنان. كما أنها تجمع لبنانى إسلامى سنى كبير.


فى 2 نيسان (أبريل) 1975 قام الجيش الإسرائيلى بشن هجوم على المواقع الفلسطينية فى كفر شوبا فى الجنوب اللبنانى، ثم تصاعدت الاعتداءات الإسرائيلية على مدن وقرى الجنوب وبخاصة كفر شوبا عيتا الشعب، البستان المجيدية والهبارية.


فى 13 نيسان (أبريل) كانت حادثة عين الرمانة. أعد مسلحون من حزب الكتائب اللبنانى كمينا فى الطريق إلى مخيم تل الزعتر أوقفوا فيه حافلة «بوسطة» تحمل فلسطينيين عائدين من مخيم تل الزعتر إلى بيوتهم فى مخيمى صبرا وشاتيلا وقتلوا 30 فلسطينيا، وهم جميع من كان فيها. وكان تبرير الحادث أنه كان انتقاما لمحاولة فاشلة لاغتيال الزعيم المارونى بيار الجميل، اتهم مسلحون فلسطينيون بارتكابها، وأدت إلى مقتل مرافقه «جوزيف أبو عاصى».


فى اليوم ذاته بعث أبو عمار رسالة إلى الملوك والرؤساء العرب يدعوهم للتدخل، وعقدت الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية اجتماعا برئاسة كمال جنبلاط، واعتبرت المجزرة جزءا من مخطط استعمارى صهيونى تنفذه الكتائب، ودعت إلى مقاطعة الكتائب وعزلها. أصبحت قضية عزل الكتائب أم الضغط عليها والحوار معها عنوانا لحوار طويل داخل صفوف الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية. فى اليوم التالى انفجرت اشتباكات فى بيروت وتل الزعتر والدكوانة وطرابلس وسقط 33 قتيلا جديدا. ويعتبر المؤرخون ذلك اليوم بداية للحرب الأهلية اللبنانية التى استمرت 15 سنة، وكلفت الشعبين الفلسطينى واللبنانى آلاف الشهداء، وهى الحرب التى بلغت ذروتها بالنسبة لنا بالاجتياح الإسرائيلى عام 1982 الذى أدى إلى مغادرة قائدنا أبو عمار وقيادتنا والجزء الأكبر من قواتنا بيروت ومن ثَمَ بقية لبنان، وانتهى بمذبحة صبرا وشاتيلا.


تصاعدت الأحداث وامتدت الاشتباكات لتشمل المناطق اللبنانية كافة، وبدأت عملية القتل على الهوية، واتضح الموقف السياسى بعد أن استقال عدد من الوزراء من حكومة رشيد الصلح ما أدى إلى استقالة الحكومة فى 15 أيار (مايو) 1975، بعد إلقاء رئيسها بيانا يحمل فيه الكتائب اللبنانية مسئولية مجزرة عين الرمانة والتخطيط لتفجير الوضع ضد الفلسطينيين. تولى رشيد كرامى رئاسة الحكومة اللبنانية فى أول تموز (يولية) 1975، واستمرت حكومته لمدة سنة ونصف السنة حاول خلالها جهده تهدئة الأمور وتفادى الصراع الطائفى، وحاول أبو عمار مساعدته دون جدوى.


أدركت أننا سقطنا فى كمين خطير، لإسرائيل اليد الطولى فى تعميقه واستثماره.


دور مركز التخطيط


خصصت فريقا فى مركز التخطيط الفلسطينى لمتابعة التطورات والتغيرات الهيكلية اللبنانية لأهميتها الإستراتيجية البالغة لقضيتنا، كان من بين أعضائه د. حسن الشريف ونواف سلام وفواز الطرابلسى وإلياس خورى وحسنا رضا وأمل بيهم وهالة صايغ بإشراف الدكتور محجوب عمر ومنير شفيق. وكان موقفى المستند إلى دراساتهم هو العمل بكل الجهد لكى لا تنزلق الثورة الفلسطينية إلى حرب طائفية لبنانية. كل العناصر الموضوعية الأخرى كانت تدفع باتجاه هذه الحرب الكريهة التى تنذر بدمار لبنان وقواعد الثورة الفلسطينية فيه.


كان خطنا وحدويا، وكنا نقف بحزم ضد توجيه البنادق إلى أى تناقض ثانوى، ولذلك كنا ضد الحرب الأهلية فى لبنان، ونخشى أن يؤدى عزل الكتائب إلى تقويتها مسيحيا، وإلى تعميق تطرفها، وإلى إذكاء الحرب الطائفية بين المسيحيين والمسلمين فى لبنان، وبيننا وبين موارنة لبنان.


أيام صعبة فى بيروت


ازدادت صعوبة الحياة فى بيروت بتصاعد الحرب الأهلية اللبنانية وانغماسنا فيها، شئنا أم أبينا. واجهت الجامعة الأمريكية مصاعب عدة بدأت بالإضرابات الطلابية وبالصراع مع الإدارة الأمريكية للجامعة، ثم تصاعدت المشكلات الأمنية فى بيروت بتصاعد الحرب الأهلية الطائفية اللبنانية، وأغلقت الجامعة أبوابها لأسابيع طويلة. توقفت الدراسة فى الجامعة، وتصاعدت مصاعبها المالية، والتهديد باضطرارها إلى قطع الرواتب واحتمال إغلاقها كلية.


بدأت جديا فى التفكير فى عمل فى بيروت يوفر لى دخلا كبديل عن الجامعة الأمريكية، ولم يكن لى أى مصدر آخر للدخل، وكنت أرفض طلب راتب من الحركة مستندا إلى موقف مبدئى بالتطوع، أو أن أتلقى راتبى المخصص فى ميزانية مركز التخطيط، الذى سبق لى تخصيصه كله لمكافآت المتطوعين، وهو ما كنت أرفضه.


بدأت أفكر فى تأسيس مكتب صغير أمارس من خلاله مهنتى فى التدريب الإدارى والاستشارات بالتعاون مع مجموعة من الزملاء، ما يكفل استمرار دخل لعائلتى فى ذلك الظرف الصعب.


كنت قد سجلت فى 15 شباط (فبراير) 1975، مع الأصدقاء محمد مكداشى وتمام نقاش ويوسف سلام فى لبنان، ومحمد إسماعيل يوسف فى مصر، مؤسسة «الخبراء العرب فى الهندسة والإدارة ـ تيم» أى «الفريق» باللغة الإنجليزية، لهذا الغرض، فقررنا أن نبدأ عملنا. وانطلقت «تيم» ببرنامجها التدريبى الأول فى فندق «الهوليداى إن» فى بيروت، فى صيف، 1975 وقد شاركنا الصديق الدكتور عاطف عبيد، الذى أصبح فيما بعد رئيسا للوزراء فى مصر، التدريب فى هذا البرنامج. فى آب (أغسطس) 1975 كنت فى بيروت وحدى بينما كانت زوجتى صفاء والأولاد فى القاهرة مع الوالدة فى جاردن سيتى، وكانت الأمور فى بيروت سيئة للغاية، والطائفية القبيحة تطل برأسها المرعب فى كل مكان. كنت أعيش عند تقاطع شارع المزرعة بشارع «بربور» فى حى المزرعة، فى منطقة كانت مختلطة وقتها: سنية، شيعية، ومسيحية من الأرثوذوكس والسريان، داخل المنطقة الإسلامية فى بيروت الغربية، فى بناية يملكها «قازان» المسيحى، بجوار بيت نبيه برى القيادى الشيعى، ولكنها كانت منطقة قريبة من الفاكهانى ومنطقة جامعة بيروت العربية حيث مواقع القيادات الفلسطينية. التزمت شخصيا بحماية مسيحيى المنطقة كلما تصاعدت المشكلات الطائفية. قضيت ساعات صعبة بعد منتصف ليلة صيفية واقفا أمام دكان يملكه مسيحى لبنانى إلى أن أرسل لى «واصف عريقات»، وكان مسئول المدفعية والمتفجرات فى قواتنا، فريقا فكك وأزال قنبلة كانت تستهدف الدكان وكل من حوله. ولكن جيرانى جميعا بدورهم كانوا يشكلون لى حماية أمنية حقيقية. إذا ظهرت سيارة غريبة، وتوقفت أمام بنايتنا لأكثر من مرة، يركض أطفالهم لإبلاغى أو زوجتى باتخاذ الاحتياط اللازم.


لم تكن مشاكلى أمنية فقط، فقد كانت آلامى الأكبر تأتى من فريق اليسار السوفيتى الحليف لسوريا، والذى قام بعد ذلك بالانشقاق داخل فتح فى العام 1983. كان الفريق يهاجمنى على موقفى وموقف مركز التخطيط الرافض للحرب الأهلية، المطالب بأكبر تحالف ممكن مع القوى اللبنانية جميعا ومن بينها موسى الصدر، وموقفى الرافض للانصياع المطلق للموقف السورى ــ السوفيتى سعيا وراء حل سلمى كنت أراه مستحيلا، وإصرارى على الالتزام بالقرار الفلسطينى المستقل، وهو الموقف الفتحاوى التاريخى، ولم يكن خلافى معهم أيديولوجيا أو عقائديا.


كان أبو عمار حريصا على علاقته بسوريا والاتحاد السوفيتى، وكنت أتفهم أسبابه ودوافعه، ولكن فريق المنشقين أدى دورا مهما فى استخدام هذه العلاقة للضغط على أبو عمار، فبات محاصرا من «الأصدقاء». ولذلك فإن علاقتى بأبو عمار بات يشوبها التوتر المستمر لأول مرة.


كانت تلك بداية ارتفاع ضغط الدم عندى. كتب لى طبيب فى الجامعة الأمريكية فى بيروت المهدئ «فاليوم» وكان دواء يبقينى نائما أو ناعسا، قليل التركيز طول الوقت. سافرت إلى القاهرة لحضور حفل زفاف شقيقتى الصغرى زينب فى الإسكندرية، فى آب (أغسطس) 1975، على هشام راشد، جارنا. كانت زينب قد تخرجت قبلها بشهرين فى كلية العلوم وقررت الزواج وعمرها 21 سنة من «ابن الجيران» هذا، وقد تقدمت لنا عائلته طالبة يدها. تناولت قرصا من الفاليوم، فنمت فى السيارة أثناء الزفة. قررت وقف العلاج فورا. لم أتناول فى حياتى قبلها أو بعدها أى نوع من المهدئات.


قضينا إجازة الصيف مع أولادنا فى مصر ثم عدنا معهم إلى بيروت فوجدنا التوتر هناك فى كل شىء. المدارس تفتح ثم يتم إغلاقها، وكان ذلك شأن الجامعة الأمريكية أيضا، والوضع الأمنى متردٍ بل ومخيف، وأنا أواجه هجوما سياسيا قاسيا يستهدف مركز التخطيط دون أى دعم من أبو عمار.


فى تشرين الثانى (نوفمبر) 1975 اضطررنا إلى إعادة رندا وعلى إلى القاهرة للالتحاق بالمدارس هناك حتى لا تضيع السنة الدراسية بلا جدوى. صممنا على أن يكونا فى مدارس عربية خاصة، فالتحق «على» بدار التربية فى الدقى و«رندا» بكلية السلام بالقبة، وكانت أختى ميسون تعلم فيها. عدنا بعدها إلى بيروت مع رامى الصغير، وبقيت الجامعة الأمريكية مغلقة.


انتشر استخدام السيارات المتفجرة فى شوارع بيروت الغربية، وكان لإسرائيل يد رئيسية فيها، ما زاد من الرعب المزروع فى كل مكان فى بيروت. انفجرت سيارة ملغومة على مقربة من مركز التخطيط الفلسطينى، بعد ذلك، كادت أن تدمر البناية بكاملها، واستشهد فى الطريق عدد كبير من المارة، لكن الانفجار لم يؤد إلا لخسائر محدودة فى مركز التخطيط لحسن الحظ.


كدت أختنق فى بيروت، المدينة التى كانت نسائمها تملأ قلبى ورئتى بالحياة والسعادة. وأصبحت حياة صفاء أيضا لا تطاق، فكانت تختنق فى المدينة التى أحبت.


أُحِب أبو عمار حبى لأبى، وأثق بوطنيته والتزامه كل الثقة، ولكنى كنت أعتقد أن واجبى ككادر قيادى فى حركة فتح أن أحذره مما أراه خطأ، ومن مكامن الخطر على ثورتنا. كنت أرى خط يسار فتح التقليدى (سين سين) يعرض القرار الفلسطينى المستقل للخطر، ويهدد بشق الحركة، وأن علينا توخِى الحذر من الانجرار إلى حرب طائفية فى لبنان، وهى ملاذنا الأخير لاستمرار الثورة، وأن علينا أن نحصل على أكبر دعم ممكن من الاتحاد السوفيتى، من دون أن نتصور أنه سيقف معنا عسكريا فى مواجهتنا لإسرائيل وحليفتها الأمريكية، فتلك حسابات مختلفة تماما فى زمان الصراع الأمريكى ــ السوفيتى.


رفضت أن أكون موظفا عند قائدى أبو عمار، أعيل عائلتى براتب أتلقاه من مالية الحركة، التزاما بموقف ثورى أخلاقى، وحتى أحافظ على هامش من الحرية يسمح لى بانتقاد مواقفه، ومحاولة تصحيح مساره، فى إطار التزامى بمبادئ الحركة والمصلحة الوطنية، وهذه مسئولية مقدسة للكادر القيادى.


لم تتحسن الأمور بمرور الوقت، بل تصاعدت الخلافات، وبتنا نعيش الصراع الطائفى والأيديولوجى بكل مخاطره. نفد صبرى وشعرت بأن علىَّ اتخاذ قرار. لم يعد من الممكن تأجيله. شاورت زوجتى وشريكة حياتى، وكانت هى أيضا تتعذب لعذابى. تناقشنا طويلا، ولكنها فى النهاية تركت القرار لى، وكانت تدرك عمق التزامى بفتح وبأبو عمار.


كم كان القرار صعبا، ولكن كان علىَّ أن أتخذه. قررت أن أترك أنا وعائلتى بيروت التى أحببت من كل قلبى، المدينة التى شهدت ورعت الربيع الفلسطينى، والتى صمدْتُ فيها، حتى عندما كنت أحد المستهدفين بحملة الاغتيالات الإسرائيلية التى قادتها «جولدا مائير» بنفسها فى العامين 1972 و1973.


كان على أن أقرر البديل فى نوع العمل، والمكان الذى سننتقل إليه. كانت لى شروطى فى العمل الجديد الذى أنشده إذا تركت بيروت، فلن أقبل وظيفة مع أى حكومة عربية، أو مؤسسة خاصة لها ارتباطات لا أستطيع تحملها، ولن أعمل فى مؤسسة أجنبية. ولا أريد وظيفة عند أحد.


رجحت كفة مصر لوجود أمى وأختى وأولادى وأهلى وأهل زوجتى هناك، ولتفضيل صفاء العودة إليها، بعد أن قررنا ترك بيروت، ولكل ما تعنيه مصر لى، ولتمتعى بجنسيتها، فلست بحاجة هناك لإذن إقامة أو إذن عمل، ولقربها من بيروت (ساعة واحدة بالطائرة). كان هناك فى مصر معهدى السابق «المعهد القومى للإدارة العليا» وزملائى، وعدد كبير من الخبراء المصريين فى الهندسة والإدارة، ما شكل حافزا إضافيا لانتقالنا إلى مصر وممارسة خبرتى فى «الإدارة» من هناك.


مذبحة تل الزعتر


استغلت الكتائب فرصة الاجتياح السورى للهجوم على تل الزعتر، المخيم الصامد فى قلب منطقة التحالف الكتائبى فى شرقى بيروت. المخيم الذى أحببته وأحببت أهله، وقدمت له كل ما أستطيع من الدعم.


تل الزعتر واحد من مخيمات اللجوء الفلسطينى الخمسة عشر التى احتضنها لبنان بعد النكبة، أنشئ عام 1949، فى الضواحى الشرقية الشمالية لمدينة بيروت، وهى الضواحى التى سيطرت عليها القوى المسيحية اليمينية خلال الحرب الأهلية. يعد المخيم واحدا من أكبر مخيمات لبنان، وكان آخر إحصاء لسكان المخيم، أجرى عام 1976، يشير إلى أن عدد سكانه كان نحو 20 ألف نسمة.


فى 12 آب (أغسطس) 1976 تحول المخيم من أسطورة صمود إلى أسطورة شهادة وذكرى مذبحة صارت وصمة عار فى جبين منفذيها، وداعميهم وكل من تلوثت يداه بدماء الأطفال والنساء والشيوخ من أبناء المخيم. بدعم من جيش النظام السورى، استطاعت الميليشيات الانعزالية اقتحام دفاعات مخيم تل الزعتر الذى كان تحت حصار وقصف متواصل طوال أربعة أشهر، انتهى فى 12 آب (أغسطس) بمذبحة رهيبة. دخلت قوات الكتائب المخيم فى اليوم التالى لتوقيع اتفاق إخلاء سكانه، ارتكبت مجزرة فظيعة أسفرت عن استشهاد أكثر من ألفين من سكانه، ويقفز البعض بعدد الشهداء إلى ثلاثة آلاف.


عدت إلى بيروت لكى أكون إلى جانب أبو عمار لمتابعة الحدث، وللمساهمة بما أستطيع لإنقاذ أهلنا بالمخيم، ولإجراء الاتصالات الدولية الضرورية. كان لمخيم تل الزعتر وأهله ولعبدالمحسن (نبيل معروف) القائد السياسى للمعسكر مكان خاص فى قلبى، أحببتهم جميعا وقضيت وقتا طويلا معهم. صمد تل الزعتر وحده، ولم يرفع أحد يدا لحمايته، ما أطلق صيحة... «يا وحدنا»! تلك كانت عذاباتنا التى تحملناها لكى نصل إلى فلسطين، ولكننا كنا أقوى من الحصار، وسنبقى بصمودنا أقوى منه إلى أن يتحقق حلمنا الفلسطينى.


حرك أبو جهاد جزءا مهما من قواته باتجاه الجنوب، ومن بينها عناصر أساسية من كتيبة الجرمق. كان يرى أن اشتعال جبهة الجنوب مع إسرائيل هى أفضل وسيلة لشد العرب إلى الساحة للضغط على السوريين فى الجبل وللعمل لوقف الحرب الأهلية. كان توجه أبو جهاد لمواجهة إسرائيل فى الجنوب، يستهدف العمل على «تصحيح البوصلة»، لكى يرى الجميع العدو الرئيسى، وتوجيه النار نحوه، بدلا من مواجهة خصوم لا يفرقنا عنهم إلا التناقضات الثانوية.

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر بوابة الشروق وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى