خيارات «داعش».. هل انتهى حلم دولة الخلافة؟

خيارات «داعش».. هل انتهى حلم دولة الخلافة؟
خيارات «داعش».. هل انتهى حلم دولة الخلافة؟

"ما عادت الراية السوداء باقية، حلم دولة الخلافة لم يتمدد".. ثلاث سنوات وبضعة أشهر كانت كفيلة بأن تذبح آمال عناصر تنظيم الدولة "داعش" الذين رفعوا شعار "باقية وتتمدد"، منذ سيطرتهم على نحو ثلث العراق ونصف سوريا صيف 2014، لكنّ ليس كل ما يتمناه "داعش" يدركه.

 

هُزم التنظيم المتطرف في العراق، وخسر أغلب مناطقه في سوريا، حتى بات سيناريو المستقبل لما سمّاها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما "شبكة الموت" أمر مريب، فرغم الخسائر الكبيرة التي مُني بها، إلا أنّ جيوب كثيرة فرّت في صحراء سوريا والعراق الشاسعة، ما ينذر بخطر آخر قد يكون وشيكًا.

 

عسكريًّا، أعلنت القوات العراقية، أمس، فرض كامل سيطرتها على راوة آخر البلدات التي كانت خاضعة لتنظيم "الدولة" في البلاد غربًا بمحاذاة الحدود مع سوريا، حيث يتعرض التنظيم لهجوم في آخر أكبر معاقله.

 

وتعتبر راوة الواقعة في محافظة الأنبار الغربية، آخر منطقة كانت تتواجد فيها هيكلية حاكمة وعسكرية وإدارية للتنظيم المتطرف، لكن لا تزال هناك جيوب أخرى فرّ إليها عناصر التنظيم في المناطق المجاورة.

 

وبذلك، يكون تقلّص وجود التنظيم المتطرف الذي احتل في عام 2014 بعد هجوم واسع ما يقارب ثلث مساحة العراق ونحو نصف مساحة سوريا المجاورة وأعلن "الخلافة" منهما، الى أقل من 5% من تلك المساحة، بحسب التحالف الدولي ضد الجهاديين.

 

وبعد "راوة"، خسر التنظيم إذًا موطئ قدمه الثابت الأخير، لكنّه يبقى قادرًا على شن هجمات على طريقة حرب العصابات من المناطق التي انكفأ إليها، كما كان الأمر عليه قبل عام 2013، وفق ما يقول خبراء.

 

وشرعت القوات العراقية في عمليات تطهير المناطق الصحراوية على طول الحدود مع سوريا لدحر آخر الجهاديين.

 

وقال المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العميد يحيى رسول: "عسكريًّا انتهى التنظيم، لكننا سنستمر في ملاحقة ما تبقى من الفلول وننهي تواجدهم".

 

وقبل أسبوعين تمامًا، استعادت القوات العراقية مدينة القائم المجاورة، قلب المعقل الصحراوي لتنظيم "الدولة"، من دون مقاومة تذكر تقريبًا.

 

ويؤكد مسؤولون عسكريون ومحليون أنّ المتطرفين يفرون عمومًا إلى سوريا قبيل وصول القوات العراقية التي أعلنت هذه المرة عن وصولها من الجهة المقابلة من نهر الفرات، من خلال دعوة السكان عبر مكبرات الصوت إلى رفع الأعلام البيضاء، والمسلحين عبر موجات الراديو إلى الاستسلام.

 

على الجانب الآخر من الحدود، تقع مدينة البوكمال التي تشكل آخر معقل مهم لتنظيم "الدولة" في سوريا في محافظة دير الزور الغنية بالنفط.

 

وكان الجيش السوري أعلن استعادة كامل المدينة الأسبوع الماضي، إلا أنّ التنظيم المتطرف شن هجومًا مضادًا واستعاد السيطرة عليها.

 

وفي موسكو، أكدت وزارة الدفاع الروسية أنّ 6 طائرات مقاتلة انطلقت من روسيا ونفذت ضربات على مواقع التنظيم المتطرف حول البوكمال.

 

وفي ما يُعد دليلًا على قدرة فلول التنظيم على تنفيذ هجمات والتسبب بخسائر بشرية رغم هزائمه العسكرية، أفاد المرصد السوري بأن التنظيم فجر عربة مفخخة في تجمّع للنازحين في محافظة دير الزور أودت بـ26 شخصًا عند نقطة تفتيش، وقال إنّ 12 طفلًا بين ضحايا الهجوم.

 

ويسيطر المتطرفون على قرابة 25% من محافظة دير الزور السورية، إضافة إلى بعض الجيوب في محافظتي حماة ودمشق، وفي جنوب البلاد.

 

وتسعى القوات العراقية والسورية على جانبي الحدود الى تضييق الخناق على تنظيم "الدولة" في آخر مربع له في وادي الفرات الصحراوي الذي يمتد من دير الزور إلى راوة.

 

لكنّ ذلك لا يعني القضاء على القدرة العملانية للتنظيم وثنيه عن القيام بعمليات خاطفة ودامية، كما كان عليه الأمر قبل عام 2013.

 

ويقول المحلل الأمني هشام الهاشمي الخبير في شؤون التنظيمات الإسلامية المتطرفة، لوكالة "فرانس برس"، إنّ ما يتم تحريره هو فقط الوحدات الإدارية المأهولة بالسكان.

 

وأضاف أنّه بعد استعادة راوة تبقى الوديان والجزر والصحارى والبوادي التي تشكل 4% من مساحة العراق ولا تزال تحت سلطة التنظيم.

 

لن يفكر أحد من التنظيمات المتطرفة – يقول الهاشمي - بالعودة مرة أخرى إلى ما يسمى بأرض التمكين أو أرض الخلافة".

 

وأمام التقدم السريع للقوات العراقية في المناطق الصحراوية، تُسجل حالات فرار في صفوف عناصر التنظيم المتطرف.

 

وكان المتحدث باسم التحالف الدولي الكولونيل راين ديلون قد أكد أنّ قيادات التنظيم تترك أتباعها للموت أو للقبض عليهم في تلك المناطق، لكنّه أشار في الوقت نفسه إلى أنّ العناصر الذين يتمكنون من الفرار "يختبئون في صحراء" وادي الفرات الأوسط التي كانت على مدى سنوات خلت معبراً للتهريب ودخول الجهاديين وغيرهم من المقاتلين المتطرفين.

 

وفي هذا السياق، ومن تلك المناطق الصحراوية أو الجيوب الخارجة عن سيطرة القوات العراقية سيسعى عناصر التنظيم إلى شن هجمات لزعزعة استقرار السلطات المحلية، ومواصلة العمليات الخارجية والإعلامية، سواء من خلال التخطيط لها أو إلهام مهاجمين في الخارج، للحفاظ على غطاء من الشرعية، وفق ديلون.

 

ويرى الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس كريم بيطار أن القوات العراقية أتمت مهمة صعبة، معتبرًا أنّ "وهم الخلافة الذي كان قادراً على محو الحدود التي فرضها اتفاق سايكس-بيكو، أوشك على نهايته.

 

"سؤالان" يفرضان نفسيهما على الساحة العراقية حاليًّا، أحدهما عناصر تنظيم "الدولة" إلى أين يتوجهون؟، وماذا سيفعلون؟، وهل يعودون لتوحيد دولة خلافتهم الناشئة؟، والثاني هو الداخل العراقي الذي يعج بأزمات ومشكلات وانقسامات، لا يُحمد عقباها لا سيّما بعد ازدياد لهيبها، وفي مقدمة ذلك المصالحة والإعمار وانفصال إقليم كردستان.

 

تنظيم "داعش" ربما يجد نفسه أمام ثلاثة خيارات، وهي أن يحل نفسه وبخاصةً بعد خسارته أكثر من 60% من مناطق سيطرته وأكثر من 80% من عائداته ومصادر الدخل التي كان يعتمد عليها في إدارة دولته.

 

الخيار الثاني أن يطوِّر التنظيم عمليات "الذئاب المنفردة"، التي أطلقها قبل نحو عامين، بأن يعتمد على خلايا تنفِّذ سلسلة هجمات مشابهة لما مارسه تنظيم "القاعدة".

 

الخيار الثالث أن يذهب التنظيم إلى الولايات التابعة له، كما سرت أو سيناء أو طبرق أو باكستان أو خرسان بأفغانستان وغيرها.

 

الكاتب والمحلل عبد الباري عطوان وضع هذه الخيارات الثلاث في حديثه لـ"فرانس 24"، وقال: "التنظيم على وشك الانتهاء جغرافيًّا وربما يتمدد إرهابيًّا، ولا أستبعد أن تكون أوروبا هي الساحة الأكبر بالنسبة له".

 

وأضاف: "التنظيم قد يبحث عن المناطق الرخوة في العالم الإسلامي خاصةً ليبيا وأفغانستان، وأيضًا منطقة الساحل الإفريقي".

 

قاد هذا الطرح عطوان إلى أن يستبعد اختفاء التنظيم كليًّا، بل تحدَّث عن أنَّ المرحلة المقبلة قد تكون أكثر خطورة، مرجعًا ذلك إلى كونه تخلّص من عبء إدارة ما يسميها "دولة الخلافة".

 

وتابع: "علينا أن ننتظر فترة هدوء ثم فترة صعود لعمليات إرهابية من قبل هذا التنظيم".

 

عطوان رأى أنَّ هناك سوء فهم للتركيبة التنظيمية لهذا التنظيم، مشيرًا إلى أنَّ من يديرونه ليسوا هم من في الواجهة، موضحًا أنَّ التنظيم عبارة عن مزيج من قيادات بالجيش العراقي والحرس الجمهوري في زمن الرئيس الراحل صدام حسين، وبين بعض الإسلاميين.

 

بعيدًا عن تنظيم "الدولة"، توجد بالعراق أكثر من 52 ميليشيا عسكرية على ارتباط بإيران، فيما سيكون هذا الملف شائكًا حينما تتعامل مع حكومة العبادي بفعل الدور الفاعل التي تلعبه هذه الميليشيات، وتأثيرها في التطورات القتالية على الأرض في العراق.

 

لا يبدو الداخل العراقي سياسيًّا أكثر حظًا من داخله عسكريًّا، فتستمر حالة غموض "المشهد المقبل" وسط صراع سياسي وجغرافي بين العرب من جهة، وبين العرب والكرد من جهة أخرى، الأمر الذي بات يهدد وينذر بمشكلات سياسية خطيرة، قد تؤثر على التوازن الإقليمي ووحدة العراق؛ نتيجة للإشكاليات الناتجة عن تدخل الدول المجاورة في مستقبل هذه المدينة العربية، والتجاوز على ثوابت الدولة الوطنية العراقية وخطوط سيادتها.

 

كما أنّ الحرب على تنظيم "الدولة" أحدثت هدمًا عمرانيًّا هائلًا في العراق، وتحديدًا في الموصل، وإعادة تعمير تلك المباني تشكّل صداعًا كبيرًا في رأس الحكومة، وما يضاعف الأزمة بلا شك هو تردي حالة الاقتصاد العراقي بفعل الأوضاع الأمنية السيئة، طيلة السنوات الماضية.

 

ولعلّ "الفساد" المستشري في قطاعات حكومية عراقية يزيد أيضًا من صعوبة الأمر، وهي قضايا تصل إلى مليارات الدولارات، كما أعلنت جهات تحقيق هناك.

 

التحدي الأكبر الذي سيواجه العبادي، كما يقول الكاتب أمير المفرجي، هو بناء دولة المواطنة الحاضنة لكل العراقيين، والعودة إلى الانتماء الوطني، بغض النظر عن الولاءات المذهبية والقومية، معتبرًا أنّه من هنا تبدو رؤى العبادي لعراق ما بعد تنظيم "الدولة" أكثر تعقيدًا وغموضًا؛ نظرًا لشراسة الأجندات الخارجية وأطماعها التاريخية، فضلًا عن التعقيدات الأخيرة الحاصلة في التحالفات للدول الإقليمية وأثارها المقبلة على المشهد السياسي والاجتماعي العراقي.

 

وفي محاولة لاحتواء المشهد التالي، طرحت حكومة العبادي رؤية جادة لعراق ما بعد تنظيم "الدولة"، تتمثل في دراسة وتنفيذ نقاط متصلة ببعض، في ظل حوار جدي بين جميع المكونات لقيام مصالحة مجتمعية، هدفها إعادة الاستقرار وتعويض النازحين المتضررين، من خلال عدم السماح بعودة الحالات والمظاهر الشاذة التي كانت سائدة في العراق في مرحلة ما قبل احتلال التنظيم للمدن.

 

وفي هذه الرؤية، تتحدث الحكومة عن سعيها لتعزيز أواصر التعايش السلمي مع جميع الشركاء، واحترام مقدساتهم وحصر السلاح بيد الدولة، وعدم رهن إرادة العراقيين بالخارج في ما يخص القضايا والمصالح الوطنية، والعمل بإرادة وطنية وقرار عراقي مستقل، ومحاربة الفساد وإبعاد مؤسسات ودوائر الدولة عن التدخلات السياسية والمحاصصة، وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص والاعتماد على العناصر الكفؤة لإدارة العمل باستقلالية ومهنية.

 

الرؤية العراقية يقول عنها الكاتب أمير المفرجي: "رغم أهمية هذه الروى وإرادة العبادي في العمل على تنفيذها، بيد أنّها قد لا تتعدى في مضمونها سوى حزمة من الأمنيات، إذ لم يتم معالجتها جذريًّا بموضوعية ووطنية بعيدة عن التأثير الإقليمي والأحزاب العراقية السائرة في الفلك الخارجي، الذي يعتبر السبب الرئيسي لوصول البلد إلى هذه الحالة من التشرذم والتفتيت، نظرًا لطبيعة الواقع الاجتماعي المتأثر بأجندات الدول العالمية والإقليمية، التي قسمت العراقيين أثنيًّا وقوميًّا".

 

المفرجي يرى أنَّ هذا الأمر يجعل من الصعوبة تنفيذ هذه الرؤى والنوايا الطيبة لإعادة العراق إلى حالته الطبيعية، وبخاصةً أنَّ القوى العالمية والإقليمية كانت فتحت أبواب الصراع على مصراعيها بين كافة الأطراف العراقية، حيث أضحت معركة تحرير ثاني أكبر مدينة عراقية مدخلًا لتمرير الاستراتيجيات الغربية والإقليمية، وفرصة لكسب المصالح والأطماع العارية من الحد الأدنى من الشرعية والعقلانية، لحقوق بلد عرفه التاريخ مهدًا للحضارة الإنسانية، ومثالًا في تطور نشوء الأوطان والأمم.

 

يذكر الكاتب: "يبقى السؤال الأول الذي يهم الشارع العراقي منحصرًا في سياق ما ستؤول إليه الأمور بعد طرد عناصر هذا التنظيم من مدينة الموصل، والمخاوف المشروعة من المشكلات والأزمات المحتملة المقبلة لمرحلة ما بعد التحرير، بعد السيطرة التامة على المدينة وقصباتها، إذا أخذنا بعين الاعتبار الرفض الكردي الانسحاب من محيط مدينة الموصل والإصرار على ضم مناطق عديدة في محافظة نينوى للإقليم الكردي، ضمن ما يسميه الزعماء الكرد حدود الدم، والبدء بعملية الاستفتاء لشرعنة انفصال الإقليم محليًّا ودوليًّا".

 

لكنّ طرحًا آخرًا وضعته مجلة "نيوزويك"، إذ قالت إنَّ تنظيم "الدولة" الذي استولى من قبل على نصف العراق وسوريا، وادعى أن ملايين المدنيين وعشرات الآلاف من المقاتلين من كافة أنحاء العالم هم جزء من خلافته المزعومة، قد تم إعلان وفاته في العراق ويواجه مصيرًا مشابهًا في سوريا.

 

وأضافت أنه مع خسارته، فإنَّ مقاتليه اضطروا إما إلى احتضان الموت أو السقوط في يد قوى معادية أو محاولة الفرار، لكن الخبراء يقولون إنَّ عددًا من الجهاديين بدلًا من الاستسلام سينضمون بسهولة لصفوف شبكة جهادية دولية أخرى وهي "القاعدة".

 

المجلة أشارت إلى أن "القاعدة" كانت بمثابة حجر الزاوية في بدء "داعش"، وكانت أيضًا الهدف المعلن للتدخل العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط مع بداية القرن الحادي والعشرين، ومثل "داعش"، تمتلك "القاعدة" عدة توابع في دول مختلفة، إلا أنَّ بعض المحللين يتوقعون أنه ربما يكون من الصعب مواجهة العدو أكثر من التابع له.

 

ومضت تقول: "في حين أنَّ داعش سرعان ما اكتسب سمعة بسبب العنف الشديد الذي يتبناه وقدرته في جذب عناصر من الخارج، فإنَّ هذه نفس الصفات التي رفضتها قيادة القاعدة، فشدة القاعدة وإصرارها على المحلية جعلتها عدوًا يصعب تمييزه عن السكان المحليين، لا سيَّما في حملات القصف التي كانت سمة السياسة الخارجية لعدد من الدول مثل الولايات المتحدة روسيا وأيضًا الفيديوهات الدعائية للجهاديين".

 

وأشارت إلى وجود فرصة لإعادة إحياء تنظيم "القاعدة" من أطلال خلافة "داعش" المتعثرة في سوريا والعراق، باعتبار أنه يمكن لـ"القاعدة" أن تستخدم قاعدته الشعبية والخطاب المناهض للإمبريالية لتطوير قوة قتالية جديدة قادرة على ضرب قلب أعدائها حول العالم مرة أخرى.

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر مصر العربية وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى