«حرب الضرورة».. من المسؤول عن تجويع اليمنيين؟

«حرب الضرورة».. من المسؤول عن تجويع اليمنيين؟
«حرب الضرورة».. من المسؤول عن تجويع اليمنيين؟

"7 ملايين شخص على حافة المجاعة.. طفلٌ يموت كل عشر دقائق من المرض.. مليون مريض بالكوليرا".. تلك أعداء اجتمعوا على الفتك باليمنيين، يضاف إليهم بارودٌ يهطل عليهم من السماء، وينصب عليهم من الأرض.

 

هدمت الحرب الدائرة في البلاد عليل صنعاء التي عرفها التاريخ نقيةً بديعةً، فمليشيشات الحوثي وضعت يدها في يد عدوها السابق المخلوع علي عبد الله صالح، وطائرات التحالف تدك خصمها ولا يسلم المدنيون من غاراتها، حتى بات الشعب هو الضحية الأكبر.

 

يموت يمنيون بالغارات وآخرون بالمجاعة وغيرهم بأمراض تفشت في وطنهم، جرّاء الحالة الكارثية التي وصلت إليها مرافق الدولة، لا سيّما ما يتعلق بالجانب الصحي.

 

صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية اعتبرت أنّ الحرب الجارية في اليمن ليست مجرد مأساة وحسب، وإنّما أيضًا جريمة ضد الإنسانية، مشيرةً إلى تحذيرات أصدرها خبراء في الأمم المتحدة من أنّ بعض الإجراءات التي لجأ إليها عددٌ من الأطراف المتحاربة يكمن أن ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.

 

وتصاعدت الدعوات المطالبة برفع الحصار الذي فرضته السعودية على الموانئ البحرية والمنافذ البرية والأجواء، في أعقاب إطلاق صاروخ من جماعة الحوثي اليمنية المدعومة من قبل إيران على السعودية في الرابع من نوفمبر الجاري.

 

وأجابت الصحيفة الأمريكية عن تساؤل طرحته حول الأسباب التي تجعل مما يجري في اليمن جريمة ضد الإنسانية، مبينةً أنّ استخدام الغذاء كسلاح في أي معركة يعد من بين تلك الجرائم التي ترقى إلى أن تكون جرائم ضد الإنسانية.

 

وأوضحت: "أدى الحصار إلى تعرض اليمنيين لمجاعة، وحتى قبل فرض الحصار كانت اليمن تعاني من التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وأيضاً فإن العديد منهم لم يعودوا قادرين على الحصول على الإمدادات الغذائية".

 

وتابعت: "منذ بدء الحرب السعودية على المتمردين الحوثيين في عام 2015، ونحو 17 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بحسب وكالات الأمم المتحدة للإغاثة، وهي تعني أنهم لا يتمتعون بإمكانية الحصول على الغذاء بشكل منتظم، ويمكن أن يتعرضوا لخطر الجوع، مشيرة إلى أن اليمن كانت حتى قبل الحصار السعودي الأخير على وشك المجاعة".

 

وبحسب بيان لشبكة الإنذار المبكر الخاصة بالمجاعة، وهي جماعة أسستها وكالة التنمية الدولية التابعة للولايات المتحدة، فإن معظم سكان اليمن سيعانون من المجاعة في غضون ثلاثة أشهر إلى أربعة، واتهمت الشبكة جماعة الحوثيين بأنّها أسهمت في منع وصول الإمدادات الغذائية لبعض المدن ولكن على نطاق ضيق.

 

وكانت السعودية قد أعلنت أمس الأول الأربعاء، إعادة افتتاح ميناء الحديدة الذي يعتبر شريان الحياة لسكان المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وأيضًا فتح مطار صنعاء، بعد ضغوط دولية كبيرة أجبرت السعودية على فتح الميناء والأجواء.

 

التحذير من كارثة إنسانية في اليمن ليس جديدًا، إذ قالت 15 منظمة حقوقية وإغاثية إنّ إغلاق التحالف العربي الذي تقوده السعودية، المنافذ البرية والجوية والبحرية في اليمن قد يؤدي إلى كوارث، كما أعرب مجلس الأمن عن قلقه إزاء الحالة الإنسانية "المأساوية" هناك.
 

وفي بيان مشترك، ذكرت هذه المنظمات وبينها "العمل ضد الجوع"، والمنظمة الدولية للمعوقين، و"أطباء العالم"، و"أوكسفام"، والمجلس الدنماركي للاجئين والمجلس النرويجي للاجئين: "في السياق الحالي للأزمة الغذائية الحادة وانتشار وباء الكوليرا، فإنّ أي تأخير في استئناف المساعدات الإنسانية يمكن أن يودي بحياة نساء ورجال وفتيات وفتيان في كل أنحاء اليمن".
 

وعبّرت هذه المنظمات عن "قلقها العميق" إثر قرار التحالف العسكري بقيادة السعودية أن يغلق مؤقتًا كل المعابر في اليمن، معتبرةً أنّ ذلك يعزل البلاد ومطالبة بـ"الاستئناف الفوري للعمليات الإنسانية، وبإجابات واضحة حول المدة المتوقعة لإغلاق المعابر وحول شروط إيصال المعونة الإنسانية".
 

وفي إشارة صريحة لدوره فيما يحدث، أكّدت الأمم المتحدة أنّه إذا لم يرفع التحالف يده عن اليمن فإنّ "هذا البلد" سيتعرض للمجاعة الأشد في العالم منذ عقود.

 

يعاني اليمن منذ أشهر عديدة من هذا "الوضع الفتاك"، دون توقف من أي طرفٍ كان، سواء الحوثيين الذين يعيثون في مناطق من البلاد بالتحالف مع المخلوع صالح الذين لطالما جمعتهم حروبٌ كثيرة، وكذا طائرات التحالف العربي التي تتحدث تقارير دولية عن سقوط قتلى مدنيين جرّاء غاراتها، ومؤخرًا "حصار اليمن" بغلق كل المنافذ، ما يشي إلى حد بعيد بخطر شديد، حذّرت منه أغلب المنظمات الدولية، جاء بعد تعرض مطار الملك خالد لقصف، قالت الرياض إنّ مصدره اليمن.

 

تبرر السعودية تدخلها في اليمن، منذ اليوم الأول، بأنّها تعمل على إعادة الشرعية للرئيس - المعترف به دوليًّا - عبد ربه منصور هادي، وتصد ما تسميه "عدوان الحوثيين المدعومين من إيران"، لحماية أمنها القومي.
 

كما جاء القرار الأخير بغلق المنافذ كعاصفة هبّت على اليمنيين، ضاعفت من معاناتهم الإنسانية، في بلدٍ ضربته المجاعة وفكّكت "الكوليرا".

 

دوليًّا، حث مجلس الأمن، التحالف العربي بقيادة السعودية على فتح الموانئ والمطارات في هذا البلد، لإدخال المساعدات الإنسانية، وحذر مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك من أنّه إذا لم يرفع التحالف العربي الحصار الذي يفرضه على اليمن منذ الاثنين فإن هذا البلد سيواجه "المجاعة الأضخم" منذ عقود مما قد يؤدي لسقوط "ملايين الضحايا".
 

ودعا المجلس، "التحالف" إلى إبقاء الموانئ والمطارات مفتوحة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى شعبه.

 

وفي حديث عن المعركة الخاسرة التي تخوضها السعودية في اليمن، تقول إذاعة "دويتشه فيله": "بات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي منذ مدة بلا سلطة تقريبًا.. والآن تفيد تقارير إخبارية بأنّه أصبح اليوم بدون حرية حركة، فالرئيس الذي يواجه ضغوطًا قوية من خصومه الحوثيين المتمردين والموجود مع عائلته منذ شهور في الرياض يريد منذ مدة العودة إلى وطنه، إلا أنه لا يُسمح له بذلك من قبل الحكومة السعودية التي توحي بأنها تحميه كرئيس منتخب ديمقراطيا، وهي تقوم منذ سنتين ونصف بتدخل عسكري في البلد المجاور في الجنوب".

 

وأضافت: "قرار الحفاظ على منصور هادي في الرياض يعزز التكهنات بأن السعودية تريد إنهاء جهودها في اليمن، وهذا التحرك العسكري السعودي الذي تسبب في إلحاق الضرر بسمعة المملكة، كما أن المملكة لا تقدر على تعليل شرعيته مع وجود أكثر من 10.000 ضحية مدنية، ووجود 2.2 مليون طفل يمني يعانون من سوء التغذية بسبب الحرب. وظهور وباء الكوليرا وتفشيه بين المدنيين، حيث وصفته مؤسسات دولية بأنه أخطر وباء كوليرا في الوقت الحالي، وسط أزمة إنسانية عالمية كبيرة".

 

وتابعت: "نظرًا للعواقب السياسية والإنسانية الكارثية للتدخل العسكري في اليمن، والسمعة السيئة الناجمة عن ذلك، ألمح ولي العهد محمد بن سلمان في أغسطس الماضي خلال زيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية أن بلاده تفضل الانسحاب من اليمن، لذلك فإن قرار منع منصور هادي من مغادرة البلاد قد يكون اتُخذ مسبقًا من أجل بلوغ هذا الهدف، وقد يكون هذا القرار إشارة غير مباشرة للطرف المعادي في اليمن، أي المتمردين الحوثيين، بزعامة الرئيس السابق علي عبد الله صالح".

 

وذكرت أيضًا: "هذا الافتراض يكسب قيمة منطقية، لأنّ روسيا بعثت في بداية أكتوبر الماضي طائرة مكلفة بنقل صالح البالغ من العمر 75 عامًا من أجل العلاج الطبي في الخارج، وذلك بالرغم من السيطرة السعودية على الأجواء اليمنية، وهو ما قد يكون تعبيرًا عن رغبة السعودية في التفاهم مع الحوثيين الذين تمكنوا قبل أيام من إطلاق صاروخ على مطار الرياض، وقد يكون ذلك قد حرك قيادة الدولة للعمل من أجل إنهاء العمليات القتالية، وبالتالي ستكون الرياض سعيدة لكسب روسيا كشريك محتمل من أجل إنجاح هذا الأمر، وفي موسكو يضمن المسؤولون بهذه الطريقة مزيدًا من ممارسة التأثير في المنطقة، وهذه المرة كوسطاء في حرب دموية تأتي على حساب السكان المدنيين".

 

البرلماني اليمني عبد الكريم الأسلمي أعرب عن أمله في أن يستجيب التحالف لهذه الدعوات، وأكّد أنّها باتت تمثل "ضرورة قصوى".

 

وقال إنّ اليمن دخل حاليًّا "مرحلة الكارثة"، وباتت المجاعة الأخطر على الأبواب، مشيرًا إلى أنّهم يأملون بشكل كبير أن يستجيب التحالف العربي وأيضًا كافة الأطراف التي تساهم في هذا الوضع المأساوي.
 

التحالف - كما يرى الأسلمي - لا يتحمل المسؤولية وحده، بل هو جزء من المساهمين في هذا الوضع، متحدثًا عن دور الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وكذا المجتمع الدولي، وأيضًا السلطة الشرعية (منصور هادي).
 

ودعا كافة الأطراف إلى الاستجابة والمبادرة لحل مثل الإشكالية، التي أكّد أنها إذا لم تنتهِ بالحل السريع فإنّ كارثة إنسانية تضرب اليمن ويصعب تخيلها.

 

استمرار العمليات العسكرية التي تدخل عامها الثالث أثار الجدل هي الأخرى، فعلى جانب تستمر المواجهات دون أن تسفر عن شيء إلى قتلًا وتدميرًا واسعين، وهو ما يفرض ضرورة توفقها رفقةً بالمدنيين وحفظًا لدمائهم، مع ضرورة حل الأزمة سياسيًّا بحوار يوقف سيل الدماء.
 

إلا أنّ محللون اعتبروا أنّ السعودية ليس أمامها إلا مواصلة القتال، وهذا من باب وقف الخطر الذي يحاصرها من الحوثيين ومن ورائهم طهران، ومنعًا للمد الإيراني في المنطقة التي يهدد بكثير من المخاطر كما تقول الرياص.
 

المحلل ميسرة بكور مدير مركز الجمهورية للدراسات وحقوق الإنسان اعتبر أنّ من يقود عمليات التحالف في اليمن هي السعودية والإمارات.

 

وقال في حديثه لـ"مصر العربية": "سواء في عاصفة الحزم أو إعادة الأمل نجد أنّ السعودية والإمارات فقط من يديران العمليات هناك، ومن ورائهما السودان".
 

وأضاف: "قطر لم تخرج من التحالف لكنّها أُخرجت بعد الأزمة مع دول المقاطعة.. نحن أمام ضغوط كبيرة تمارس على السعودية في انتهاكات حقوق الإنسان، وهناك اتهامات من منظمات دولية كبيرة بأن التحالف يرتكب انتهاكات ضد المدنيين في اليمن، وهو ما يشكّل ضغوطًا على المملكة ومن معها في التحالف".

 

هذه الضغوط - كما يرى بكور - قادت بعض الأطراف إلى مغادرة التحالف على الفور، رغم أنّ مشاركتها فيها هي رمزية تضامنية إلى حد بعيد، متحدثًا كذلك عن ضغوط تتعرض لها أمريكا وبريطانيا لدعمهما التحالف، ما يشكل ضغوطًا أكبر.

 

ورغم ذلك، أكّد بكور أنّ السعودية ليس أمام خيار آخر إلا الاستمرار في سياساتها الراهنة (عمليات التحالف)، وقال: "الحوثي وإيران لم يتركوا أمام المملكة أي خيار.. صحيح أن هناك مدنيون يسقطون وأعمال خراب ودمار كبيرة لكن لا توجد خيارات كبيرة أمام السعودية".

 

وتساءل: "هل على السعودية أن تطيع حسن نصر الله بخطابة الأخير عندما قال إنّ المملكة نتيجة سياساتها الخاطئة حدث كل ما حدث.. أين هي السياسات الخاطئة؟.. هل تترك الحوثيون يتمددون ويحتلون اليمن ثم يتقدمون إلى الرياض كما هدّد المسؤولون الإيرانون حين وصفوا الحوثي بأنه ملك الجزيرة العربية؟".
 

وتابع: "السعودية ليس لديها خيار آخر عن الاستمرار في هذه العمليات، مع تحسين بيئة العمل وظروف العمليات العسكرية ودعمها للجيش اليمني.. هذا ربما يحسّن صورتها في المعارك".
 

ومضى يقول: "إذا كان هناك خطأ ارتكبته السعودية فهو عدم اجتثاث حسن نصر الله وميليشيا إيران سواء في سوريا أو العراق أو غيرهما من المناطق".

بكور رأى أنّ تدخل السعودية في هذه الحرب كان "إجباريًّا" للدفاع عن نفسها وأمنها القومي.
 

خروج بعض الأطراف من التحالف أكد "المحلل السوري" أنّه لن يؤثر على سير المعارك على الأرض، فاشتراك هذه الدول كان معنويًّا تضامنيًّا، أمّا من يقود العمليات فهي السعودية والإمارات ومن خلفهما السودان".
 

عمليًّا، لا يرى بكور أن هناك حربًا برية، لكن ما يتم هو قصف مدفعي على الحد الجنوبي للسعودية فضلًا عن القصف الجوي، وكذا العمليات في الداخل اليمني يقوم بها فصائل الدولة، سواء الجيش الوطني أو العناصر التابعة للإمارات أو السعودية، وبالتالي فإنّ دور التحالف هو عمليات جوية.
 

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر مصر العربية وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى