اغتصاب السوريين.. أي موت لم يبلغه أبناء الشام؟

اغتصاب السوريين.. أي موت لم يبلغه أبناء الشام؟
اغتصاب السوريين.. أي موت لم يبلغه أبناء الشام؟

"اغتصاب الذكور، تعذيب جنسي للرجال.. أي انتهاك لم تراه سوريا الحزينة؟".. مثل النهار ليس في حاجة لإثبات نوره وإطلالته، فإنّ معاناة السوريين، قتلًا وتجويعًا وتعذيبًا، تخطت كل الخطوط الحمر.

 

تحولت سوريا إلى ميدان حرب، يتقاتل فيه كثيرون ضد كثيرين، وضعٌ أشبه بحرب عالمية، يواجه فيها النظام ما باتت تعرف بـ"المؤامرة الكونية"، وكأن ثورةً لم تقم، ولا ثوارًا اختاروا الموت مقابل الحرية.

 

"اغتصاب الرجال" حلقة جديدة يتم تسليط الضوء عليها فيما تعانيه سوريا وأهلها، دون تحرك يوقف عداد القتل ويمنع تعذيب الناس.

 

صحيفة "الجارديان" البريطانية نشرت تقريرًا تكشف فيه عن اغتصاب الذكور والتعذيب الجنسي الذي يعاني منه المحتجزون في سوريا، وهو ما يحدث في كل مكان ومن كل الجهات، بحسب وصف الجريدة.

 

كتبت التقرير سارة تشينوث، وهي باحثة وأكاديمية تعمل في مجال حقوق الإنسان، وعضوة لجنة تقصي الحقائق التي أوفدتها مفوضية الأمم المتحدة للاجئين من أجل التحقيق في العنف الجنسي الموجه ضد الرجال والصبيان في الأزمة السورية.

 

تقول إنّها حين بُعثت إلى سوريا قبل عام، كانت تعلم أنّ العديد من النساء والبنات عرضة للاغتصاب أو للأنواع الأخرى من العنف الجنسي، لكنّها لم تعرف الكثير عمّا يحدث للرجال والصبيان، فبناءً على التقارير الموجودة مسبقًا، كانت تفترض أنّ بعض الرجال والصبيان يعانون من سوء المعاملة، وأنّ العنف الجنسي ضد الذكور ليس شائعًا، كانت تظن أنّ اللاجئين لم يسمعوا بالأمر أيضًا، وأنّهم إن كانوا يعرفون شيئًا، فلن يحادثوها حول هذا الموضوع الشائك؛ لكنها كانت مخطئة.

 

وصلت الكاتبة إلى مدينة أربيل عاصمة كردستان العراق في أكتوبر 2016، وتستضيف المدينة 200 ألف لاجئ سوري، وفرت لها الأمم المتحدة مترجمًا، ورتبت لقاءات مع اللاجئين في مخيم قريب، وكان من ضمن المجموعة الأولى ثمانية رجال أتوا هربًا من الحرب، وسألتهم في البداية عن حياتهم داخل المخيم، وعن محاولاتهم للتعايش، وعن أكبر مخاوفهم.

 

ما إن اعتاد الرجال الحديث معها، جسّت نبضهم بسؤالهم إن كانوا قد سمعوا عن حالات عنف جنسي ضد الرجال أو الصبيان في سوريا، نظر الرجال إليها وهم غير مصدقين، فهم لا يفهمون كيف أنها تسأل سؤالًا بديهيًّا كهذا، ثم ردوا بالقول: "طبعًا نعم، إنه يحدث في كل مكان، ومن كل الأطراف".

 

فوجئت الكاتبة بإجابتهم وصراحتهم في الإجابة، لكنّها كانت لا تزال غير متأكدة؛ لأنّ الشائعات تملأ مناطق النزاع، سألتهم إن كانوا قد سمعوا شهادات من أشخاص يعرفونهم شخصيًّا، فكانت الإجابة بـ"نعم" أيضًا.

 

التقت الكاتبة حوالي 200 لاجئ خلال رحلتها في كردستان والأردن ولبنان، وكانت إجاباتهم جميعًا مشابهة، ومليئة بالقصص المؤلمة، بعد محادثة جماعية في لبنان، طلب رجل فلسطيني عاش حياته في سوريا أن يتحدث مع الكاتبة، وأخبرها بأنّ رجالًا مسلحين اقتحموا قريته واغتصبوه، جعلته الحادثة في حال يرثى لها، ولم يستطع العمل بسبب اضطرابه النفسي، رغم أنه هو من يرعى أخته الصغرى.

 

حكى لها شاب سوري من بين من التقتهم في الأردن، عن عمه الذي احتجز عشوائيًّا، وعذبه السجانون جنسيًّا وقت احتجازه، توقف عمه عن الأكل، وأصبح مدمنًا للكحول بعد الإفراج عنه، ومات بسبب الفشل الكبدي بعدها بوقت قصير.

 

تصف النساء كيف تغيّر الرجال بعد هذه التجارب، فعزلوا أنفسهم، ولم يعودوا مهتمين بممارسة الجنس، وأصبحوا عنيفين في بعض الحالات، كما أنّ بعضهم لم يستطع العمل بسبب التأثير النفسي والجسدي للعنف، ما تسبب في تعريض أسرهم لخطر الفقر.

 

وتشير الكاتبة إلى رجل آخر عانى من إصابات موهنة ومؤلمة أصابته بسبب التعذيب الجنسي، ويقول بعض العاملين في المنظمات الإنسانية إنّ الإصابات الشرجية كانت تظهر في بعض الرجال الذي احتجزوا من قبل.

 

تضيف الكاتبة أنّ الشهادات المتعددة كانت مرعبة، وتفطر القلب، كان من ضمن من قابلتهم في الأردن مجموعة من النساء اللاتي أردن الحديث حول الأمر، طبقًا لما قلن، فإنّ الإيذاء الجنسي هو أمر روتيني للرجال والصبيان في أماكن الاحتجاز السورية، وهي ملاحظة ذكرها لاجئون آخرون، وقالوا إنّ أعدادًا كبيرة من الرجال كانت تحتجزهم جماعات مسلحة مختلفة.

 

وعند سؤالهم عن تقديرهم لنسبة الرجال الذين تعرضوا للعنف الجنسي وهم محتجزون، أجابوا: "ما بين 30% إلى 40%.. لم نقابل عائلة لم يتعرض أحد أفرادها للعنف الجنسي أثناء الاحتجاز".

 

ويصف لاجئون آخرون كيف تنفذ الجماعات المسلحة الهجمات على البيوت، والتي يغتصبون الجميع خلال تنفيذها، رجالًا ونساءً.. هذا التعبير تكرر على مسامع الكاتبة مرات عديد خلال حديثها مع اللاجئين في الدول الثلاث.

 

حتى بعد النزوح إلى البلدان المجاورة، تعرض بعض الصبيان الأصغر سنًّا للاستغلال الجنسي من صبيان أكبر سنًّا أو رجال، إذ يعدونهم بالطعام أو الأموال لإغرائهم، وتقول بضع نساء إنّ أبناءهن صاروا خائفين جدًا من أن يذهبوا إلى المدرسة، خوفًا من أن يُعتدى عليهم جنسيًّا في الطريق، أو من نظرائهم في المدرسة.

 

تضيف الكاتبة أنّ أكثر ما فاجأها هي الشهادات حول الاستغلال الجنسي في العمل، وكان أول من أخبرها بأمره شابًا سوريًّا يبلغ من العمر 18 عامًا، ويعمل في وظيفتين، حكى لها كيف أنّ مديره طلب منه أن يلبي بعض الطلبات الجنسية قبل دفع رواتبه، ولم يكن قادرًا على الرفض بسبب اعتنائه بأمه وأختيه.

 

وكان إحساسه بالعار ويأسه واضحين، بحسب الكاتبة.. سمعت قصصًا مماثلة لاحقًا، من رجال وصبيان يعمل العديد منهم دون تصريح عمل قانوني، شعر بعضهم أنّه لا يملك خيارًا آخر، تحت وطأة الفقر المدقع، والمساعدات القليلة، وضغوط شديدة لرعاية أسرهم.

 

تحدثت الكاتبة أيضًا مع مجموعة من اللاجئين المثليين والعابرين جنسيًّا، والذين عانوا من وصمتين، إذ أنّهم لاجئون وأيضًا من الأقلية الجنسية والجندرية، وأخبرها أحد الرجال المثليين أنّه اعتقل في سوريا لأربعة أشهر، عانى خلالها هو وسجناء آخرون من الاغتصاب الشرجي بالزجاجات والعصي، وأضاف أنّه ما زال يعاني عند الجلوس، انتقل بعدها إلى بلد مجاور لكنّه لم يجد فيه الأمان، فقد اعتدى عليه جنسيًّا عصابة شوارع في مرة، وحارس أمني في مرة أخرى، وكان يعلم أنه ما يزال في خطر.

 

ومن بين نفس المجموعة، سرد أفراد آخرون شهادات اعتداء جنسي من سائقي الأجرة والجيران وملاك المنازل وأفراد الجيش.. كانوا يخشون بشدة أن يبلغوا الشرطة التي قد تعتدي عليهم مجددًا، أو حتى تعتقلهم بموجب قوانين الحياء العام والممارسات غير الطبيعية.

 

في الأردن، التقت الكاتبة مجموعة من المختصين النفسيين الذين تخصصوا في علاج الناجين من التعذيب، وسألتهم عن سبب استخدام التعذيب الجنسي في هذا الصراع، كانت إجابتهم أنّ غرض التعذيب هو الأذى النفسي الشديد الذي يجعل هوية الإنسان مشوشة، وليس من الغريب أن يستخدم التعذيب الجنسي ضد الرجال والصبيان في مكان مثل سوريا، حيث النشاط الجنسي المثلي ممنوع، والقواعد الجندرية التقليدية مترسخة.

 

تختتم الكاتبة تقريرها بالقول إنّ قصص اللاجئين هذه تنبهنا إلى أن خفض الميزانية يؤثر في فرص حياة البعض ممن هم شديدو الوهن، وأنّ هؤلاء الرجل والصبيان، كما كل الناجين من الحروب والكوارث، يستحقون أن يحظوا بحق الحماية والدعم والرعاية الجيدة.

 

بدأت معاناة السوريين عندما أبى نظام الرئيس بشار الأسد أن يستجيب لنداءات الشعب الذين ثاروا ضد حكمه، فاختار قمع الثورة عنفًا وقتلًا وتدميرًا وتعذيبًا، حتى تحولت سوريا إلى ميدان يتقاتل فيه الجميع ضد الجميع، وبينهم أناسٌ مدنيون، يسقطون - ولا يزالون.

 

 

الباحث السوري ميسرة بكور قال إنَّ المجتمع الدولي يعجز عن استخدام أدوات رادعة لوقف ما أسماها "الانتهاكات" ضد السوريين.
 

وأضاف - لـ"مصر العربية": "السوريون يعشون هذه المآسي كل يوم بكل تفاصيلها وتحدياتها.. هتلر نفسه لم يستخدم الكيماوي ضد أعدائه رغم أنه ارتكب جرائم كبيرة وخسر الحرب في النهاية".
 

وتابع: "القضية في سوريا هي قضية ملك يُنتزع، فبشار يعتبر الأمر أنَّ ملكه سينتزع منه، وأدرك أنَّ خروجه من الحكم ستكون نهايته أمام المحكمة الجنائية الدولية، التي قبلت منذ أيام دعوى ضد جرائم بشار شكلًا، والمحكمة ستناقش كل ذلك".
 

بشار الأسد - كما يقول ميسرة - أدرك أنَّ خروج الحكم من أسرته معناه أنَّه لن يعود مرة أخرى بغض النظر عن إجراء انتخابات من عدمه، مشيرًا إلى أنَّ الأسد استخدم كل أنواع القتل والحرق والتعذيب وقطع الرؤوس والإبادة الجماعية والتهجير.

 

وتابع: "الأمر سينتهي بالأسد إما أمام الجنائية الدولية أو التخلص منه عبر حلفائه، سواء الروس أو الإيرانيين، أو حتى الأمريكان، ولأنَّ بشار يعي ذلك جيدًا فهو يتحالف مع كل قوى الشر من أجل الحفاظ على الملك وقبل ذلك الملك وليست الرئاسة، لأنه يعتبر نفسه ملك الملوك".
 

الناشط السوري طالب كافة الأطراف المعنية باتخاذ الإجراءات العاجلة لوقف ما أسماها "المجازر" التي يرتكبها بشار برعاية روسية إيرانية، وصمت وصل حد التواطؤ من المجتمع الدولي، حسب تعبيره.
 

هذا التحرك يراها بكور مطلوبًا على كافة المستويات بدءًا من مجلس الأمن تحت الفصل السابع، ومحكمة الجنايات الدولية، وحراك شعبي في معظم المناطق، وتدخل عسكري مباشر سواء تحت مظلة مكافحة الإرهاب.
 

وطالب الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت ميثاق حماية المدنيين أن تتدخل عسكريًّا من أجل حماية ما بقي من المدنيين في سوريا، "الذين يكاد بشار الأسد ينهييهم عن بكرة أبيهم"، حسب تعبيره.

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر مصر العربية وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى