ماذا يعني تخلي السعودية وأمريكا عن رحيل بشار الأسد؟

ماذا يعني تخلي السعودية وأمريكا عن رحيل بشار الأسد؟
ماذا يعني تخلي السعودية وأمريكا عن رحيل بشار الأسد؟

[real_title] "الأسد أسقط الثوار".. يبدو أنّ الربيع العربي الذي أطلّ على سوريا في 2011 من أجل إسقاط حكم نظام الرئيس بشار الأسد، تبدّل رأسًا على عقب، حتى اقترب المشهد من إسقاط الثورة.

 

منذ اليوم الأول الذي خرج فيه الثائرون ضد بشار، تباينت مواقف الدول الإقليمية والقوى الدولية فمثلًا روسيا وإيران تدخلتا عسكريًّا على نطاق واسع، ما منح النظام قوةً جعلته يحافظ على بقائه، وإن كان ذلك على حساب السوريين، قتلًا وجرحًا ومرضًا وتجويعًا.

 

على الخط المقابل، منحت دول أخرى مثل السعودية وتركيا وبعض الشيء أمريكا بعض الدعم إلى المعارضة المسلحة، لكنّ الدعم هذا لم يكن بالثقل على كفة الميزان من الناحية الأخرى، لكنّ الكفة انقبلت تمامًا مع تخلي بعض الدول عن رحيل الأسد كشرط لحل الأزمة السورية.

 

آخر المنضمين إلى "قائمة المتنازلين" هي الولايات المتحدة التي يُفترض لها أن يكون تأثيرها الأقوى باعتبارها أكبر دولة في العالم، لكن تراجع دورها في المنطقة إبان حكم الرئيس السابق باراك أوباما بما ذلك مواجهة الأسد، يبدو أنّه مستمر خلال حقبة الرئيس دونالد ترامب.

 

تنقل صحيفة "نيو يوركر" الأمريكية، عن مسؤولين أمريكيين وأوروبيين، أنّ البيت الأبيض أبدى موافقته على استمرار الأسد في الرئاسة السورية حتى موعد الانتخابات المقبلة في 2021.

 

وقالت الصحيفة إنّ هذا القرار قد يلغي جميع البيانات السابقة التي أدلى بها البيت الأبيض حول ضرورة رحيل الأسد كخطوة أولى نحو السلام.

 

كما أكّدت أنّ موقف واشنطن الجديد يعكس الخيارات المحدودة للإدارة الأمريكية في الواقع الراهن، نتيجة للانتصارات العسكرية التي حقّقها جيش النظام وحلفاؤه.

 

الولايات المتحدة - تقول "نيو يوركر" - أنفقت أكثر من 14 مليون دولار على الحملة في سوريا، لتدرك بعدها الإدارة الأمريكية بأن الأسد سيستمر بالحكم حتى الانتخابات المقررة في 2021.

 

ليس مستغربًا عزل أمريكا سياسيًّا من الأزمة السورية، وهذا راجع إلى محور تركي روسي إيراني، يمثل ضمانة لوقف إطلاق النار في بعض المناطق هناك، رغم أنّ طرفيّن من هذا المحور منحازان صراحةً وتضحيةً مع النظام، حتى بلغ الحد أنّه إذا لم يُقدم هذا الدعم لما بقي الأسد في منصبه ربما في العام الأول للثورة، كما يرى معارضوه.

 

إذا كانت الولايات المتحدة قد تخلت عن رحيل الأسد كحل للأزمة السورية، حتى وإن كان ذلك بشكل غير معلن، وهي قوة دولية يُفترض أن تكون مؤثرة، فقد سبقتها في ذلك المملكة العربية السعودية.

 

في أغسطس الماضي، وجّهت السعودية رسالةً إلى المعارضة السورية، عنوانها إعداد صياغة جديدة بشأن مستقبل الأسد، وبالتالي طالما أنَّ موقف المعارضة يدعو إلى الإطاحة بالأسد بسبب "الجرائم في حق الشعب"، فإنَّ التوجه الجديد يعني – افتراضًا – أن تتخلى المعارضة عن المطالبة برحيله.

 

وكالة "أسوشييتد برس" نقلت عن مسؤول سعودي قوله إنَّ وزير خارجية المملكة عادل الجبير أبلغ المعارضة أنَّه حان الوقت لصوغ "رؤية جديدة".

 

المسؤول أوضح: "الجبير لم يقل بصراحة إن بشار سيبقى، ولكن إذا ما قرأت بين السطور، عندما تقول إنَّ ثمة حاجة إلى رؤية جديدة، فما هي المسألة الأشد إثارة للنزاع؟ إنها ما إذا كان بشار سيبقى".

 

أعاد هذا الموقف، الأذهان إلى رسالة سرَّبها موقع قناة "الجسر" الفضائية المقربة من المعارضة، وذلك خلال زيارة أجراها الجبير إلى مقر الهيئة العليا للمفاوضات في العاصمة السعودية الرياض في الثالث من أغسطس.

 

حسب موقع القناة، فإنَّ الجبير استبعد خروج الأسد من السلطة في الوقت الحالي، مشيرًا إلى أنَّ الوقائع تؤكِّد أنه لم يعد ممكنًا خروجه في بداية المرحلة الانتقالية، وأنَّه يجب بحث مدة بقائه في المرحلة الانتقالية وصلاحياته في تلك المرحلة.

 

موقع القناة السورية ذكر: "الهيئة العليا للمفاوضات قالت إنَّ وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أبلغ الهيئة الخروج برؤية جديدة للمعارضة تتماشى مع الوقائع على الأرض والوضع الدولي الجديد، وإن الجبير حذر من أنه في حال عدم وجود هذه الرؤية فإنّ الدول العظمى قد تبحث عن حل خارج المعارضة".

 

وأضاف: "جاء في رسالة حصلت عليها الجسر صادرة عن الهيئة العليا، أن وزير الخارجية السعودي ساند بقوة دعوة منصتي موسكو والقاهرة إلى الرياض للتباحث حول إمكانية تشكيل وفد مشترك".

 

ولأنَّ إعلانًا كهذا من شأنه أن يثير ضجةً في صفوف المعارضة التي اعتادت على الحصول على دعم كبير من قبل المملكة منذ اندلاع الثورة هناك، فسارعت الرياض لإصدار بيان في الشهر نفسه، أكَّدت فيه ثبات موقفها من الأزمة السورية وطريقة حلها بموجب إعلان "جنيف 1" وقرارات مجلس الأمن الدولي.

 

اللافت فيما نسب إلى الجبير بطلب إعداد صياغة جديدة، أنَّه جاء بعد أيام قليلة جدًا من اجتماع الهيئة العليا للمفاوضات في الرياض مع كل من منصتي موسكو والقاهرة لبحث تشكيل وفد موحد للقوى المعارضة إلى مفاوضات جنيف الخاصة بتسوية الأزمة السورية في سبتمبر المقبل، إلا أنَّ الاجتماع انتهى بالفشل، وهو ما كان متوقعًا إلى حدٍ بعيد، إذا كان من المنطق أن ترفض الهيئة العليا الالتقاء مع منصات مكانها الطبيعي إلى جانب وفد الأسد، حسب محللين.

 

وإن توجَّهت المملكة إلى القابلية ببقاء الأسد رئيسًا، فإنَّ هذا الأمر يناقض النهج الذي لطالما اتبعته الرياض في تعاطيها مع الأزمة السورية، وهو ما يتمثل في إسقاط النظام وغيابه عن المستقبل السوري، كما يمثل هذا الأمر عاصفة تهز قلوب المعارضين السوريين خوفًا إن كان التوجه إقليميًّ للإبقاء على الأسد رئيسًا حتى وإن كان لفترة انتقالية.

 

وربما يرتبط هذا التوجه أيضًا بالسياسة السعودية الجديدة تجاه إيران، فوزير الداخلية العراقي كان قد كشف مؤخرًا أنَّ السعودية طالبت بلاده بالتوسط لدى طهران من أجل تخفيف حدة التوتر بين البلدين.

 

وسبق ذلك صور انتشرت للوزير السعودي الجبير، في إسطبنول التركية على هامش اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي، وهو يصافح ويحتضن نظيره الإيراني محمد جواد ظريف بشكل حار، رغم الأزمة الخليجية الراهنة وعلاقة إيران بها، فضلًا عن كون "الأخيرة" يراها محللون أحد أعمدة استمرار الأسد حتى الآن بفعل الدعم المسلح لنظامه.

 

قارئون للمشهد وضعوا تصورًا للمرحلة التالية في سوريا، وهي تتمثل في تشكيل جيش وطني كما طالبت روسيا، ثم حكومة وحدة وطنية، ثم تغيرات في الحكومة تمنح فيها مقاعد للمعارضة، ثم انتخابات تأتي بالأسد رئيسًا.

 

هذا الطرح تلعب فيه روسيا دور المحرك الرئيسي، إذ أنّه ليس من المتوقع أن تتخلى روسيا عن الأسد، كما أنَّ الولايات المتحدة كانت قد اعتبرت أنّ الحل بيد موسكو وأنها أولويتها في سوريا ليس رحيل الأسد بقدر محاربة ما تسميه "الإرهاب، كما أن روسيا لها علاقات جيدة مع مصر، وكذا تركيا التي وقعت معها صفقة الـS400، فضلًا عن دول الخليج وتحديدًا السعودية التي يرى محللون أنها في حاجة إلى روسيا لا سيّما في الأزمة الخليجية الراهنة، وبالتالي فإنَّ روسيا تتحكم بشكل أكثر قوة في الملف.

 

وهنا يتعلق بالأذهان تصريح رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم الذي كان قد أكد أنَّ بلاده قد توافق على بقاء الأسد في مرحلة انتقالية تضمن إنهاء شلال الدماء، وهو يتنافى مع كل التصريحات التركية التي تمسكت برحيل الأسد، لكن يبدو أنّ التفاهمات تسير في اتجاه آخر.

 

الدبلوماسي السابق معصوم مرزوق رأى أنّ هذا الموقف الأمريكي لا يمكن اعتباره تنازلًا بقدر ما هو اعتراف بالأمر الواقع.

 

وقال في حديثه لـ"مصر العربية": "أمريكا ليس بإمكانها تغيير الأمر الواقع، وهناك أيضًا صفقات يتم إبرامها بين أمريكا وروسيا على مناطق النفوذ، وهذا الأمر يعيدنا إلى أجواء الحرب الباردة مرة أخرى".

 

وأضاف: "روسيا بدأت تغلغل جنوب الشرق الأوسط، ويبدو من تقيسم مناطق النفوذ أنّ شرق وجنوب شرق آسيا يكون ملعبًا لأمريكا لمواجهة الصين وكوريا الشمالية هناك، مقابل أن ترفع أمريكا يدها عن الشرق الأوسط لصالح الروس".

 

المعارضة السورية شبّهها مروزق بأنّها أصبحت كـ"الأيتام على مائدة الجهاد"، وأوضح: "هذه المعارضة تم استخدامها لبعض الوقت من قبل السعودية وبعض الدول الخليج ثم تخلوا عنها، وبعد ذلك استخدمتها تركيا، وبالتالي يمككنا القول إن المعارضة سمحت لنفسها أن تكون لقمة سائغة في أيدي من يلعب بها، ومن المنطقي أن تنتهي على هذا النحو".

 

أما سعوديًّا، فقد ربط الباحث والمحلل السوري ميسرة بكور ربط بين موقف المملكة و3 تطورات على الساحة السورية.

 

التطورات الثلاث هي سحب الملف من تركيا إلى القاهرة، والتوافق السعودي الخليجي – الروسي، وتشتت المعارضة.

 

بكور قال – لـ"مصر العربية": "كثرت الأقاويل خاصةً مع بداية الأزمة الخليجية حول أنَّ السعودية ستخرج الائتلاف الوطني السوري من الرياض، لكن مع الوقت اكتشفنا أنَّ هذه مجرد شائعات وأقاويل مضللة، والمملكة على لسان الجبير أعلنت أكثر من مرة أنها مستمرة في دعمها للائتلاف، وبعد ذلك أشيعت أقاويل عن تغيير السياسة السعودية لكن الجبير أكد أن بلاده ماضية في سياساتها في دعم تطلعات الشعب السوري، وكانت له تصريحات سابقة سواء بالقوة أو بالحل السياسي".

 

وأضاف: "ربما يتم حاليًّا التوجه إلى حل سياسي دولي وربما الرؤية الأمريكية بأنَّ روسيا هي من ستحل الملف السوري بشكل منفرد لذلك قد تكون بعض الدول تتجه إلى هذا النحو، والتقارب الروسي المصري وحاجة دول الخليج إلى روسيا كل ذلك يصب في صالح ما تهدف إليه موسكو في الملف السوري، وقد تغض بعض الدول الطرف عما يجري أو تقدم بعض التنازلات".

 

وأشار إلى أنَّ التطورات الراهنة تعني أنَّ الحل النهائي في سوريا قد اقترب، وأنَّ الآوان قد جاء لتشكيل وفد للمفاوضات، قد يكون منوطًا به التوقيع على الاتفاق النهائي قريبًا.

 

المحلل السوري ربط ذلك بالضمانة المصرية لاتفاقات وقف إطلاق النار في سوريا وسحب الملف من تركيا، معتبرًا أنَّ الخطوة المقبلة قد تكون الانتقال إلى مناقشة موضوع الدستور الذي طرحته موسكو، وتشكيل حكومة وحدة وطنية.

 

وأوضح أنَّ كل هذه الأمور لا تعني الانتقال السياسي في سوريا أو رحيل بشار الأسد لكنه الحل الذي تريده روسيا، من خلال وقف القتال وإطلاق النار وتشكيل جيش موحد من القوات الحكومية والمعارضة لمحاربة الإرهاب، متابعًا: "إذا وافق الثوار على ذلك لن يكون من الصعب على روسيا فرض الدستور الذي تريده ومن ثم تجبر الجميع بعدما نشرت شرطتها العسكرية على إجراء انتخابات رئاسية يشارك فيها بشار الأسد ويفوز بها بالقطع".

 

الاستراتيجية الروسية في سوريا يؤكد بكور أنها واضحة المعالم، مشيرًا إلى أنَّ قد تفرض بعض التغيرات في النظام مثل تغيير وزيري الدفاع والخارجية لكنها لن تستغني عن الأسد، لافتًا إلى موافقة بعض الدول العربية "لم يسمها" على هذا الطرح، حيث ترى هذه الدول أنّ بقاء الأسد ولو لمرحلة مؤقتة يضمن بقاء الدولة السورية موحدة رغم كونها باتت مقسمة بين الروس والأمريكان والفصائل المتناحرة هناك، حسب تعبيره.

 

بكور رأى هذه الرؤية "خاطئة"، مؤكدًا أنه يمكن لبشار الأسد الرحيل عن السلطة وأن يفوض نائبه فاروق الشرع لتولي إدارة شؤون البلاد في هذه المرحلة.

 

في هذا السياق، أعاد المحلل السوري التذكير بأن تركيا قبل عدة أشهر في ظل خلافاتها مع أمريكا قالت نفس هذا الكلام على لسان رئيس وزرائها بن علي يلدريم، بأنَّ بلاده قد توافق على بقاء الأسد في مرحلة انتقالية تضمن إنهاء شلال الدماء.

 

وأضاف: "تركيا التي توافقت مع روسيا بشكل كبير وهي مأزومة من الجانب الأمريكي والضغط المفروض عليها لمحاولات إخراجها من الملف ما يشكل خطرًا أمنيًّا علها بسبب الوجود التركي في الشمال، قد لا تستطيع فعل شيء لسبيين؛ عدم إغضاب روسيا إضافةً إلى واشنطن المتوترة علاقاتها معها، كما أنَّ صفقة الـS400 قد يكون جزءًا منها القبول بهذا المقترح الروسي".

 

بكور تحدَّث عمَّا أسماه "شعورًا مريبًا" في توقيت كل هذه التطورات، التي بدأت بما قال إنه تنصيب أحمد الجربا بمشهد "زعيم المفاوضات"، رغم أنه لا يمثل السوريين حسب قوله.

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر مصر العربية وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى