اخبار السياسه زغلول المسكين.. والمدينة الظالمة (قصة قصيرة)

اخبار السياسه زغلول المسكين.. والمدينة الظالمة (قصة قصيرة)
اخبار السياسه زغلول المسكين.. والمدينة الظالمة (قصة قصيرة)

"المساكين يعيشون فرادى، ويموتون فرادى.. مُثقلين بأوزَارِ غيرهم!"أرض خلاء بعيدة عن الزحام والضوضاء والحركة، لا يزورها أحدٌ من أهل المدينة الهالعة قط. هذه الأرض ظلت لعقودٍ على حالها بلا أي مظهر من مظاهر الحياه، إلا شجرة كبيرة مُعمِرة، يحيطها أكوام من المخلفات القديمة وتلال قمامة تجمعت على مدار زمنٍ طويل.

في هذا المكان المعزول، الخراب، الميتُ تماماً لولا غصون شجرة الجميز التي تعطيه شيئاً من الحياة، اعتاد زغلول أن يقضي ليله كله على فِراش قديم يضعه أسفل الشجرة التي اتخذها منزلاً يسكن إليه، ورفيقاً يحدّثه ويبيح له بشكواه وتساؤلاته.

ذات ليلة، أحدقَ زغلول النظرَ إلى الشجرة الكثيفة ذات الساق الضخم والفروع المتشابكة كأنه يتأملها، وبعد وقت مَرَّ به.. نطقَ:

- أين أهلكِ؟

كرر سؤاله بطريقة مَن ينتظر إجابةً، فعندما واصلت الشجرة صمتها، أجابَ عنها:

- أعرفُ أنكِ مثلي، وحيدةً في هذه الدنيا. ومثلي قد لا تعرفين والداكِ.. مَن هما؟ وأين الآن؟ ولماذا جاءا بكِ في هذه الأرض ثم غدرا وغادرا؟.. وهل لازالا على قيد الحياه في مكانٍ بعيد أم أدركهما الموتُ؟

لعلهما قد ماتا؛ كي تستريح الحياة من مثلهما.

وبعد ثوانٍ من الصمت، أردف حزيناً:

- كلانا يشبه الآخر.. بلا فصل ولا أصل. لكنكِ قويةٌ جداً، وأنا ضعيفٌ جداً!

سَكتَ الصبي الذي لم يكمل خمسة عشر عاماً، بعد أن بدا عليه الغضب. هذه عادته.. يغضبُ سريعاً، فيتوقف عن الحديث، فيهدأ، ثم يعود للكلام، فيغضب، فيصمت مجدداً، ثم يلوذُ بالنوم ليهرب من متاهة ترهقه.

نهارُ زغول شاقٌ جداً. ينهض من مطرحه مع أول شعاع نور، وبعد دقائق يخرج إلى شوارع المدينة الطاحنة، باحثاً عن رزق يومه في خدمة الناس.

يمسحُ زجاج السيارات بإشارات المرور، أو يقضي حاجة لبعض سكان العقارات الضخمة، أو يحمل حقائب ثقيلة عن مسافر أو عائد بعد سفر.

كل صور الخدمة يؤديها زغلول دون أن يبدي شيئاً من الضيق، رغم سوء المعاملة التي يتحملها والمقابل الضئيل الذي يتقاضاه، والأسوأ من كل ذلك تلك النظرات التي تجمع بين الشفقة عليه والعار منه.

لماذا ينظر كثيرون إلى ذلك المسكين على هذا النحو الغريب، المؤذي؟

هل لأنه مقطوعُ الأهلِ غير موصول النسب.. ابن شهوة في مدينة تزعم الفضيلة؟!

كل سكان المدينة أبناءُ شهوة.. لكنهم محظوظون بالستر، الستر وحده!

أم لأنهم يرون في ملامحه كل خطاياهم التي يريدون شطبها تماماً؟!

حتى هذا الأمر.. لماذا يُعاقب عليه الصبي؟

لماذا يكرهونه إلي تلك الدرجة التي دفعت أحدهم ذات مرّة، لإبراحه ضرباً حتي كاد هذا الهزيل أن يفقد وعيه دون أن ينجده أحدٌ حينذك، حتى إمام المسجد الكبير.. مَرَّ من أمامه فاكتفى بنظرة شفقة وهو يتمتم بالاستغفار ثم انصرف إلى الصلاة!

يبدو أن سبباً آخراً وراء هذا الضيق بالصبي، هو أنه أكثر أهل مدينته نُبلاً.. أو بالأحرى، هو الوحيد بينهم الذي يحتفظ بنبله. يكفيه أنه لم يؤذ أحداً في حياته. وهم جميعاً مؤذيون، ضحايا بعضهم بعضاً، تماماً مثل والديه!

قبل غروبِ الشمس يسترح زغلول قليلاً، ثم يعاود إلى مكانه الآمن تحت الشجرة الطيبة الصديقة.

هي وحدها لا تؤذيه بنظرة ولا تنتظر منه خدمة ولا تنفجر في وجهه غاضبة ولا يبذل لترضى عنه جهداً عظيماً.. هي راضية عنه دائماً!.. وهو لا يعرفُ في الدنيا سواها.لكنَّ تلك الليلة، وخلال عودته.. وقع أمرٌ فارق!

بعد أن أنهى زغلول عمله وقضى فترة استراحته اليومية على أحد الأرصفة، همَّ ليرجع إلى بيته، فنظر وهو في طريقه صبياً في مثل سنه يجلسُ منتصف والديه يطعمانه. ربما مرَّت من أمامه مشاهد عديدة مشابهة، لكن هذه المرّة استرعى المشهد انتباهه بشدة؛ فوقف يراقب تلك الأسرة الصغيرة إلى أن التفت إليه الأب، فدعاه بإشارة من يده.

تردد زغلول في باديء الأمر، فكرر إشارته مبتسماً الرجل الأربعيني الذي تزاحم شعيرات بيضاء شعره الأسود، فاستجاب المسكين الصغير واقترب على بطءٍ بوجهه الشاحب الممصوص وملابسه المتسخة الرثّة يجرُ خطاه المثقلة بالخوف؛ حتى وصل إلى الطاولة التي يجلسون أمامها.

لم يكن الأب وحده يبتسم، الثلاثة كانوا ودودون جداً.. لكنَّ الوجوه الودودة للبشر ليست إشارة إلي شيء عادةً، على عكس الحيوانات التي إذا ودّت وجوهها كانت بشارة طيبة.

متوهماً.. أمنى زغلول نفسه، وتساءل لو أن يصبح فرداً في هذه الأسرة، أو صديقاً لهم، أو حتى خادماً يرافقهم أينما ذهبوا!.. هو الآن على بُعد خطوة واحدة من أسرته التي تمنّاها طيلة خمسة عشر عاماً.

هكذا هي أمانى المساكين.. بسيطةٌ جداً، لكنها لا تحدث أبداً!

فجأةً، أمسكَ الأبُ وجبة الطعام الصغيرة التي بدأ ابنه تناولها منذ قليل لكنه شبِعَ قبل أن ينتهي منها، فقدمها إلى الصبي الذي لبثَ مكانه دون أن ينطق حرفاً أو يحرك ساكناً.

ربما كان زغلول جائعاً بالفعل، لكنه أكثر من ذلك.. يجوعُ إلى أهل يعيش وسطهم وحضن كبير يسكنُ فيه.

ها هي أمنيته تنتهي إلي بقايا وجبة طعام وصلت إليه بدلاً من أن تأخذ طريقها إلي سلة القمامة!

ظل شاخصاً بعينيه إليهم تتنقل نظراته بين وجوههم وجهاً وجهاً؛ حتى تسرب إليهم القلق وتلاشت ابتساماتهم. ربما ساور الشك أحدهم أنه لص أو مجرم صغير يريد بهم الأذى.

دمعة واحدة تدحرجت مثل كرة ثقيلة من عينه اليسرى، دفعت أم الولد السعيد الذي ينعم بطفولته أن تمسك حقيبتها لتخرج منها نقوداً، إلا أن الولدَ التعيسة حياته الذي احتشدت الدموع في عينيه، أدارَ لهم ظهره وبعد خطوات أثقلتها الخيبة سارع بمغادرة المكان وركض دون أن يتوقف لحظة واحدة حتى وصل إلى مسكنه.. شجرة الجميز، فاحتضن ساقها الضخم وبكى.. وظل يبكي، ثم تراجع للوراء قليلاً، وصاح في الخلاء:

- أنا ابنُ مَن؟

أنا ابنُ أيَّ خطيئة؟

أنا ابن أيَّ وعدٍ كاذب؟

ولماذا يخطئون هم ويكذبون هم، وأحاسبُ أنا بهذه الدنيا وحيداً؟

كان صوته مرتفعاً جداً وملامح وجهه كلها تنفجر بالغضب، وبعد ثوانٍ من الصمت ظل خلالها يحرك عينيه في كل مكان، تساءل وهو ينظر إلى أعلى:

- أين العدلُ؟

ما الذنب الذي ارتكبته؟

ما جريمتي التي يعاقبني عليها الجميع؟

وصرخَ صرخة مدوية، قال بعدها وهو يبكي:

- لماذا لا يجيبني أحدٌ؟.. لماذا؟

توالت أسئلة المسكين، وصوته يتهدَّجُ بين البكاء والصراخ، ثم نادى في الخلاء الواسع أمه وأبيه، نداءً خرج من صدره وملأ حنجرته كأن أحدٍ يلوذُ بطلب النجاة، لكن لم يجيبه أيٌّ منهما.. ربما هما الآن مشغولان بحياةٍ جديدة، أو على مشارف جريمةٍ جديدة، أو ربما زارهما الموتُ غفلةً ليحاسبهما على ما ارتكبا في حق هذا البريء الذي يقضي عقوبة غيره.

ظلت أسئلته معلقة ونداءاته بلا مجيب، وظلت قواه تضعفُ شيئاً فشيء؛ حتى سقط على الأرض وصمت بعدها طويلاً، وقد أمطرت السماءُ!

يقول الناسُ إن المطرَ بشرةُ خير..

لكن بعض المطرِ يَصلحُ أن يكون مواساةً لهؤلاء المنكسرة قلوبهم، أو مراسمَ عزاء أخيرة لصبي عاش وحيداً، ومات وحيداً، وطيلة حياته البائسة لم يأمن أحداً.. إلا شجرة جميز صَمّاء؟!

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر الوطن وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق اخبار السياسه ظاهرة جوية تضرب البلاد بعد 48 ساعة.. 7 نصائح لمواجهة الطقس السيئ
التالى اخبار السياسه عاجل.. قرار مفاجئ من الأهلي بشأن قضية الشيبي وحسين الشحات