اخبار السياسه مصر تركب القطار المجري

تجمع دول "الفيشجراد"، الذي أُنشي في فبراير من عام 1991، هو تكتل يضم دول "المجر" و"بولندا" و"التشيك" و"سلوفاكيا" (دول بها حوالي 65 مليون نسمة)، ويمثل خامس أكبر اقتصاد داخل الاتحاد الأوروبي، والاقتصاد رقم 12 عالمياً.. هذا التجمع يُطلق عليه "الفيشجراد الأربعة" أو الـ (V4) اختصاراً (وكان يُشار له دوماً، قبل عام 1993، باسم "مثلث الفيشجارد"، لأن "التشيك" و"سلوفاكيا" كانا دولة واحدة).. والمجر هي الرئيسة الحالية لـ "الفيشجراد"، حتى العام القادم، ثم تتسلم "سلوفاكيا" الرئاسة لمدة عامين.

انضمت دول التجمع كلها إلى الاتحاد الأوروبي في مايو 2004.. واعتمدت "سلوفاكيا" اليورو كعملة رسمية عام 2009 (بدلاً من الكورونة السلوفاكية)، فيما لا تزال باقي الدول محتفظة بعملاتها المحلية، "الزلوتي البولندي"، و"الكورونة التشيكية"، و"الفورنت المجري".

زيارة الرئيس المصري لدولة المجر لحضور قمة "الفيشجراد" الثالثة هو حدث مهم: فمصر هي أول دولة شرق أوسطية تُدعى للحضور "في المرتين السابقتين تم دعوة اليابان في الأولى، وألمانيا في الثانية".. القمة تهدف لبحث الفرص الاستثمارية المتاحة للمستثمرين المجريين بمصر "أتمنى ألا يصطدمون عندنا بحائط البيروقراطية الخرساني".

ولكن بعيداً عن السياسة وقصصها المملة، هناك قصصاً شيقة أخرى عن المجر تستحق السرد. في عصرنا الحالي، ومنذ يوليو 2010، بيننا وبين المجر سبع رحلات أسبوعية لشركة "مصر للطيران"، ويزورنا حوالي ستون ألف سائح مجري سنوياً.. لكن من الطريف أن الفراعنة قد وصلوا إلى المجر؛ ففي منطقة "بانونيا" الأثرية، غرب البلاد، وهي مقاطعة قديمة من الإمبراطورية الرومانية، عُثر على آثار فرعونية.. وبعدها، في القرن العاشر الميلادي، كان الملك إشتفان، أول ملوك المجر، يرتدي تاجاً ويمسك صولجاناً مرصعين بأحجار كريمة تم جلبها من مصر. (هذا الملك هو من حول قبائل المجر من الوثنية إلى المسيحية الكاثوليكية بقرار سياسي).

وقد ناسبت العائلة الخديوية المصرية من "المجر"؛ فالأميرة "جويدان" (وهي مجرية الأصل، اسمها الحقيقي "ماى دى توروك")، تزوجت آخر "خديوي" مصري، وهو "عباس حلمي الثاني" عام 1910، لمدة ثلاث سنوات.. شيد هو لها قصر "السلاملك" الشهير بحدائق المنتزه بالأسكندرية، وتركت لنا هي مذكراتها البديعة التي تحدثت فيها عن طبيعة شخصية زوجها، وعن عادات وتقاليد تلك الفترة، مع ذكر المسكوت عنه في عالم "الحريم". من الأمور غير السارة التي تواجهنا كلما سافرنا للخارج، أن العالم لا يعرف اسم "مصر" بل يسميها "إيجيبت"، ولذلك يحتفي المجريون كثيراً بنا لأننا نسمي بلدهم "المجر"، كما ينطقونها هم، لأنها تُسمي في باقي مناطق العالم "هنغاريا".. وأي مصري سيزور المجر، وخصوصاً العاصمة "بوداست"، سيلاحظ تشابهاً معمارياً بين البلدين سببه وقوعهما تحت الحكم العثماني لفترات طويلة (حوالي 400 عاماً في مصر و180 عاماً في المجر).

وبمناسبة العثمانيين، فبإشرافهم قامت أحد الألوية العسكرية المجرية (بقيادة اللواء سنايدر المجري) بالقضاء على الثورة النوبية في العقد الرابع من القرن السادس عشر، وبعدها ظل عدد من الجنود المجريون في النوبة لسنوات، واختلطوا بالقبائل النوبية التي اسمتهم "المَجَراب" (اسم مكوّن من اسم "المجر"، وكلمة "آب" وفي النوبية "قبيلة")، وإلى يومنا هذا هناك من النوبيين من يُكنى "المجري"، ومن يستخدمون لغة مجرية مُطعمة بألفاظ عربية، وهم موجودون في منطقة "وادي حلفا".

قبيلة "المَجَراب" تلك اكتشفها الرحالة المجري الشهير "لازلو ألماشي"؛ وهو من اكتشف كذلك منطقة "جبل العوينات" و"محمية الجلف الكبير" بالصحراء الغربية، وكان البدو يلقبون "ألماشي" بـ "أبو رملة"، وقد كتب هو عنهم وعن طباعهم كثيراً.. وقد ساهم هذا الرحالة في تأسيس قطاع الطيران المدني بمصـر عبر إقامة برامج تدريبية بأول مطار مدني مصـري سمي على اسمه (مطار "ألماشي" الذي حُرف بعد ذلك إلى "ألماظة".

"لازلو ألماشي" هذا هو البطل الحقيقي للراوية الشهيرة "المريض الإنكليزي"، للكاتب السيرلانكي "مايكل أونداتجي" (تُرجمت لأكثر من ثلاثمائة لغة)، وتحولت لفيلم من إخراج البريطاني "أنتوني منغيلا". (الرواية فازت بجائزة البوكر عام 1992، والفيلم فاز بجائزة الأوسكار بعد ذلك بأربع سنوات.

"المجرابيون" ليسوا وحدهم؛ ففي مصر مجريين آخرين أيضاً، في المجال الفني، مثل: الفنانة "مريم فخر الدين" مجرية الأصل، والتي كانت تتحدث المجرية بطلاقة هي وأخيها "يوسف".. وكذلك الحال مع الفنان القدير "إستيفان روستي" الذي كان والده من مواطني إمبراطوية "النمسا المجر" (وهي إمبراطورية عاشت 51 عاماً، وفُككت عقب الحرب العالمية الأولى، وتشكل الآن جزءاً من، أو كامل أراضي، ثلاث عشرة دولة أوروبية).. وكذلك، والمخرج اللبناني، الذي عاش في مصر 16 عاماً، "سيف الدين شوكت" وهو مجري (وُلد في رومانيا).. وأخرج لنا 25 فيلماً منها: "إسماعيل يس في جنينة الحيوانات"، و"عنتر ولبلب"، و"عصافير الجنة". في مصر ارتبط اسم "المجر"، بكل شئ سريع، حتى أن "مصطفى عبده" المهاجم السابق للنادي الأهلي لُقب بـ "المجري" لسرعته الكبيرة، وأصل القصة تعود إلى "القطار المجري السريع"، واسمه اختصاراً "المجري" والذي عمل في خطوط السكك الحديدية المصرية.

وعلى ذكر كرة القدم، فلا أحد ينسى منتخب المجر الذهبي الرهيب، والذي فاز بوصافة كأس العالم عام 1954 بسويسرا (البطل كان ألمانيا الغربية)، وقبلها أحرز ذهبية أولمبياد "هلسنكي" بفلندا عام 1952.

وضم هذا الفريق الثلاثي: "فيرينتس بوشكاش"، و"ناندور هيديكوتي"، و"ساندور كوتشيش"، وشكلوا "مثلث الرعب"، وسجلوا معاً حوالي 200 هدفاً لمنتخبهم. أول اسمين في مثلث الرعب المجري؛ "بوشكاش"، و"هيديكوتي"، ارتبطا بمصر عبر تدريب فرقها لكرة القدم، الأول درب فريق النادي "الأهلي" القاهري، وكون "فريق التلامذة" بالنادي الأهلي، وهو فريق ذهبي فاز مع "هيديكوتي" ببطولات لم يتجاوزها أحد بعده إلا البرتغالي "مانويل جوزيه".. والثاني درب فريق النادي "المصري" البورسعيدي.

وبالمناسبة فـ "هيديكوتي" هو أفضل من نفذ، لاعباً ومدرباً، تكتيك "المهاجم الوهمي" (لكنه ليس مبتكرها، فصاحب الفكرة هو المدرب النمساوي "هوجو مايزل"، والذي تعاون مع المدرب الانجليزي "جيمي هوجان" في تدريب منتخب النمسا، والأخير درب "هيديكوتي" حين كان لاعباً، ومنه عرف الطريقة).. أما "بوشكاش" فهو هداف قدير، أصبحت جائزة هداف بطولة كأس العالم لكرة القدم، منذ عام 2010، تحمل اسمه (جائزة بوشكاش).

أما "كوتشيش" فهو هداف كأس العالم بسويسرا (11 هدفاً)، ولُقب بـ "الهداف الطائر" (وهو غير الهولندي "يوهان كرويف" الجناح الطائر)، وسُمي كذلك بـ "صاحب الرأي الذهبية" لاحرازه أهدافاً كثيرة بها رغم أنه لم يكن طويلاً (سجل مئات الأهداف برأسه وطوله 177 سم).. وقبيل اعتزاله، أصيب فى حادث سير وبترت ساقه.. وانتحر عام 79 يأساً من شفائه من مرضه عضال أصابه.

وفي مجال الرياضة أيضاً، المجر هي من بنت لمصر اللوحة الرقمية الكبيرة باستاد القاهرة الدولي، والتي تظهر في كل مباريات فترة الثمانينيات والتسعينيات باستاد القاهرة. مصر والمجر تاريخ طويل، ولنا أن نعرف أن خبراء الزراعة المجريين هم من أدخلوا لمصر فكرة "زراعة المشاتل"، وكلمة "صوبة" هي كلمة مجرية الأصلة (Szoba)، وتعني "الغرفة".. والآن قد تكون المجر هي نفسها "الصوبة" الجديدة لنا، والتي نعرض فيها صادراتنا، لتدخل أوروبا عبر بوابة "المجر" المهمة، التي تتميز بإمكانية النقل السهل والرخيص، منها وإلى كل الدول المجاورة.. نتمنى أن نلحق بركب التقدم، ولنبدأ بالقطار "المجري" السريع.

جميع الحقوق محفوظة لمصدر الخبر الوطن وتحت مسؤليتة ونرجوا متابعتنا بأستمرار لمعرفة أخر الأخبار علي مدار الساعة مع تحيات موقع موجز نيوز الأخباري

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق اخبار السياسه محافظ قنا: نسعى لتهيئة الأجواء لخلق مناخ استثماري جاذب وزيادة نسب التشغيل
التالى اخبار السياسه «القاهرة الإخبارية»: غارة إسرائيلية تستهدف منزلا بمحيط مستشفى العيون شمالي غزة