
في زحام الأضواء التي تسطع فوق القطبين، حيث يحكم الأهلي والزمالك قبضتهما على المشهد الكروي المصري، هناك نجوم اختاروا دربًا مختلفًا، طريقًا وعرًا لكنه أكثر نقاءً، بعيدًا عن ضجيج الديربي، وصخب الجماهير المنقسمة بين الأحمر والأبيض، هم أولئك الذين تحدّوا القاعدة، ورفضوا أن يكون المجد حكرًا على من ارتدى قميصي القلعتين، فكتبوا أسماءهم بأحرف من ذهب في سجلات الكرة المصرية دون أن يطرقوا أبواب الجزيرة أو ميت عقبة.
من ملاعب الأقاليم إلى المدرجات الصاخبة، من الفرق الطموحة إلى المنتخبات الوطنية، صعد هؤلاء اللاعبون درجات المجد بعرقهم، فجعلوا الجماهير تهتف لهم رغم غيابهم عن معترك القطبين، حملوا شرف التحدي، وواجهوا إرثًا ثقيلًا يربط النجاح بألوان بعينها، فكسروا القواعد وغيّروا المفاهيم، وأثبتوا أن النجومية لا تُصنع فقط في مصانع الأهلي والزمالك، بل قد تولد من شوارع المحلة، أو أسوار الإسماعيلي، أو على شواطئ الإسكندرية وبالقرب من ميناء بورسعيد، في شمال مصر وجنوبها، أو حتى بين جنبات أندية لم تعتد رفع الكؤوس، لكنها عرفت معنى صناعة الأساطير.
نجوم خارج القطبين.. "أحمد المحمدى" قصة نجاح ملهمة من الغربية لبلاد الضباب
في قرية شبراطو الهادئة بمحافظة الغربية، بزغت موهبة كروية فذة، موهبة تحمل اسم أحمد المحمدي، ذلك الفتى الذي بدأ مداعبة كرة القدم في ملاعب قريته الترابية، ولم يكن يعلم أن تلك المداعبة ستنقله إلى أضواء الملاعب الأوروبية.
بدأ المحمدي مسيرته الكروية في مركز شباب شبراطو، قبل أن ينتقل إلى نادي غزل المحلة عام 2003، وصعد إلى الفريق الأول وهو لم يتعد السابعة عشر من عمره. وعلى الرغم من أنه بدأ مسيرته الكروية باللعب في مركز رأس الحربة، لكنه شارك مع "زعيم الفلاحين" في مركز الظهير الأيمن، وخلال موسم 2003-2004 نجح في تسجيل هدفين خلال 12 مباراة، ليجذب أنظار نادي إنبي ويتعاقد معه.
تألق المحمدي مع إنبي، وسجل 12 هدفًا وقدم 18 تمريرة حاسمة في 70 مباراة، مما جعله محط أنظار الأندية الأوروبية. وعلى الرغم من العروض التي تلقاها من أندية مثل هيرتا برلين ورابيد بوخارست، إلا أن إنبي رفض التخلي عنه.
في عام 2009، انتقل المحمدي إلى الدوري الإنجليزي الممتاز، حيث انضم إلى سندرلاند على سبيل الإعارة، ثم انتقل بشكل دائم في عام 2011. وبعد فترة قضاها في سندرلاند، انتقل المحمدي إلى هال سيتي، حيث لعب تحت قيادة مدربه السابق ستيف بروس.
تميز المحمدي بقدرته الرائعة على تسجيل الأهداف على الرغم من كونه ظهير أيمن، كما يجيد ضربات الرأس بشكل مذهل. وقد سجل العديد من الأهداف الحاسمة في مسيرته الكروية، سواء مع الأندية التي لعب لها أو مع المنتخب المصري.
لعب المحمدي 91 مباراة مع المنتخب المصري، سجل خلالها 6 أهداف وقدم 10 تمريرات حاسمة. وقد شارك في العديد من البطولات الكبرى، مثل كأس الأمم الأفريقية وكأس القارات.
قال عنه ستيف بروس: "كان أداء أحمد المحمودي جيدًا في موسمه الأول مع النادي وأظهر الكثير من الإمكانات، نتطلع إلى مساعدته على النمو كلاعب، وأعتقد أن هناك الكثير ليأتي منه، كما تعلم، لا أتذكر أنه غاب عن مباراة واحدة خلال سبع سنوات، إنه يتدرب كل يوم كما لو كان آخر يوم له. وهو موجود كل يوم، دائمًا".
من الإنجازات التي لا تنسى في مسيرة المحمدي، الفوز بكأس الأمم الأفريقية 2008 و 2010. الصعود إلى الدوري الإنجليزي الممتاز مع هال سيتي وأستون فيلا.
أحمد المحمدي هو نموذج للاعب المصري الذي استطاع أن يحقق النجاح في أوروبا دون أن يلعب لأندية القمة في مصر. لقد أثبت المحمدي أن الموهبة والإصرار يمكن أن يصنعا المعجزات.