كثيرًا ما نحلم أن نعود للماضي، ونرشد أنفسنا في موقف محدد، أو نقدم نصيحة لمشوارنا المهني أو العاطفي في بداية الطريق، لكن تخيل معي أن يأتيك ذاتك من المستقبل ليتحدث معك، ويرشدك لاتخاذ القرارات!!

اتفهم كونه موقف أغرب من الخيال بالنسبة لك، إلا أن التكنولوجيا حولت كل الأحلام لواقع ملموس في عالمنا اليومي، هكذا ظهر ابتكار جديد يعتمد على الذكاء الاصطناعي يُسمى «Future You».

هذا النظام يتيح للأشخاص التفاعل مع نسخة افتراضية من أنفسهم في المستقبل، ليصبحوا قادرين على اتخاذ قرارات أكثر حكمة ووعيًا. إنه ليس مجرد خيال علمي، بل تطور حقيقي يفتح بابًا جديدًا لفهم الذات والتواصل مع المستقبل بطريقة غير مسبوقة.

كيف يعمل نظام Future You؟

نظام «Future You» يعتمد على الذكاء الاصطناعي والنماذج اللغوية الكبيرة، إذ يقوم بجمع معلومات عن المستخدم مثل اهتماماته، أهدافه، وحتى ذكرياته.

بعد ذلك، ينشئ النظام نسخة افتراضية للشخص في عمر الستين، يمكنه التفاعل معها.

على سبيل المثال، إذا كان الشاب يسأل «هل سأتخذ القرار الصحيح بالاستثمار في هذا المجال؟»، فإن «ذاته المستقبلية» ستجيب بناءً على المعلومات المتاحة وتقدم له رؤى حول مسار حياته.

يمكن لهذه النسخة الافتراضية أن تؤدي دور المرشد، فتقدم نصائح مخصصة بناءً على اختيارات الحاضر، مما يساعد الأفراد على فهم العواقب المحتملة لقراراتهم.

قوة التواصل مع المستقبل

بات باتارانوتابورن، الباحث المشارك في تطوير النظام، يصف هذا الابتكار بأنه «آلة زمن افتراضية»، وتمكّن الأشخاص من محاكاة المستقبل واستشراف نتائجه. المحادثات التي يجريها المستخدم مع ذاته في المستقبل ليست مجرد خيال علمي، بل هي محاولة عملية لبناء جسور بين الحاضر والمستقبل.

وفي دراسة تجريبية، تم تقسيم المشاركين إلى ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى تفاعلت مع «Future You»، الثانية تفاعلت مع روبوت دردشة عادي، بينما أجابت الثالثة على استبيان حول المستقبل. النتائج أظهرت أن المجموعة التي استخدمت النظام نجحت في بناء اتصال قوي مع «ذاتها المستقبلية»، مما ساعدهم في تخفيف القلق بشأن المستقبل واتخاذ قرارات أكثر ثقة.

التطبيق العملي: كيف يمكن للتكنولوجيا أن تغير حياتك؟

تخيل أنك تسأل ذاتك في المستقبل عن خياراتك المهنية الحالية، وكيف ستؤثر على نجاحك الشخصي أو المالي. هذه المحادثات، التي قد تبدو غير واقعية، تقدم إجابات مبنية على أساس نفسي عميق يسمى استمرارية الذات المستقبلية، وهو مفهوم يعبر عن مدى اتصال الفرد بذاته في المستقبل. الأبحاث أظهرت أن من يشعرون بهذا الاتصال أكثر قدرة على اتخاذ قرارات حكيمة تؤثر إيجابيًا في حياتهم على المدى البعيد.

محاكاة واقعية تعكس أحلامك

تتمحور تجربة المستخدم مع النظام حول بناء قصة شخصية متكاملة تستند إلى تطلعاته. يعتمد النظام على خلق ما يسمى «ذكريات الذات المستقبلية»، وهي قصص تفصيلية تُستخدم كنموذج لتمثيل المستخدم في عمر الستين. هذه المحاكاة تتجاوز الأساليب التقليدية مثل كتابة رسائل إلى المستقبل أو استخدام تقنيات الواقع الافتراضي، إذ تقدم محادثة واقعية وطبيعية تتيح للشخص التفاعل مع ذاته بشكل أعمق.

أداة للتفكير المستقبلي واتخاذ القرارات

نظام «Future You» ليس مجرد أداة لتخيل المستقبل، بل هو وسيلة لبناء اتصال واقعي مع الذات في المستقبل، ما يساعد الأفراد على اتخاذ قرارات أكثر وعيًا وعمقًا. هذه التكنولوجيا تقدم فرصة فريدة لمواجهة الأسئلة المصيرية، مثل «هل سأكون سعيدًا بقراراتي الحالية؟»، وتقديم إجابات مستنيرة. مع تطور هذه التقنيات، يمكن أن تصبح جزءًا لا يتجزأ من عملية التخطيط الشخصي والمهني للأفراد.

في المستقبل، يمكن أن يُستخدم النظام ليس فقط في تخطيط الحياة الشخصية، ولكن أيضًا في مجالات مثل التعليم، الاقتصاد، وحتى البيئة، مما يجعل من «Future You» أداة ثورية لإعادة التفكير في قراراتنا اليوم وتأثيرها على مستقبلنا.