غيّر تكييف الهواء العالم الذي نعيش فيه، فهو يسمح لنا بالبقاء هادئين ومرتاحين في درجات الحرارة غير المحتملة.
ومع ذلك، لم يكن تكييف الهواء موجودًا دائمًا، ولم يكن دائمًا متقدمًا كما هو اليوم.
لذلك دعنا نكشف خلال السطور التالية تاريخ تكييف الهواء حتى تتمكن من معرفة كيفية ظهور هذه التكنولوجيا وكيف تطورت مع مرور الوقت لتصبح أحد أهم الأجهزة في العالم.
المحاولات المبكرة لتكييف الهواء
حاول الدكتور جون جوري، وهو طبيب من الولايات المتحدة الأمريكية، بناء مكيف هواء في ثلاثينيات القرن التاسع عشر لتبريد غرف المستشفى للمرضى الذين يعانون من الحمى الصفراء والملاريا، واستخدم مروحة لنفخ الهواء فوق دلو من الجليد لتحقيق ذلك.
وفي عام 1881، بنى مهندسون بحريون صندوقا خشبيا يحتوي على قطع قماش مغموسة في ماء مثلج، وتنفخ فوقها مروحة للمساعدة في تخفيف معاناة الرئيس الأمريكي جيمس جارفيلد.
كانت هذه الأداة الغريبة قادرة على خفض درجة حرارة الغرفة بمقدار 20 درجة فهرنهايت، ولكن بتكلفة عالية جدًا، إذ استخدموا أكثر من خمسمائة ألف رطل من الثلج في شهرين فقط.
اقرأ أيضا: يوم «التكييف» العالمي.. حكاية اختراع رَحِم البشرية من لهيب الصيف (ملف خاص)
اختراع مكيف الهواء الحديث
وعندما نفكر في مكيف الهواء الحديث، غالبًا ما نذكر ويليس كاريير، وذلك لكونه مخترعًا غزير الإنتاج، إذ ابتكر العديد من الأشياء التي يمكن استخدامها في منازلنا اليوم، بما في ذلك مكيفات الهواء الحديثة، يُعرف باسم «أبو تكييف الهواء» ويُنسب إليه الفضل في إنشاء أحد الأنظمة الأولى التي تم بناؤها لهذا الغرض على الإطلاق.
وفي 17 يوليو 1902، صمم ويليس هافيلاند كاريير أول نظام حديث لتكييف الهواء، والتي أصبحت فيما بعد صناعة من شأنها أن تحسن بشكل أساسي الطريقة التي نعيش بها، ونعمل، ونلعب.
واستمر تكييف الهواء في النمو منذ إنشائه؛ ومع ذلك لم نشهد استخدامًا واسع النطاق لهذه التكنولوجيا حتى عام 1940 عندما تم استخدامه في المجالات التجارية؛ وشملت الاستخدامات المبكرة دور السينما والمتاجر الكبرى حيث يمكن للعملاء الهروب من درجات حرارة الصيف الحارة إلى مناطق الراحة الباردة، وهو ما يمكنهم من التسوق بشكل مريح دون التعرق بغزارة أو الشعور بالإغماء بسبب الإجهاد الحراري.
تطور تكييف الهواء
شهدت الأيام الأولى لتكييف الهواء انتشارًا في المحال التجارية، فمنذ أن اخترع ويليس هافيلاند كاريير أول نظام لتكييف الهواء، تم استخدام وحدات تكييف الهواء في دور السينما والأماكن العامة الأخرى مثل المكتبات، وكانت الخطوة التالية هي إدخال هذه التكنولوجيا إلى المنازل والسيارات.
في البداية، كانت تقنيات التبريد كبيرة جدًا ومكلفة للاستخدام المنزلي، لكنها تطورت بمرور الوقت، إذ قدمت شركة فريجيدير مبرد غرفة بنظام منفصل في عام 1929، وكان صغيرًا بما يكفي ليناسب المنازل وعلى شكل خزانة راديو.
ومع ذلك، كان هذا النظام مكلفًا وثقيلًا ويتطلب وحدة تكثيف منفصلة، لذلك قامت شركة جنرال إلكتريك بتحسين هذا التصميم، حيث طورت مبرد غرفة قائمًا بذاته، وأنشأت 32 نموذجًا أوليًا من عام 1930 إلى عام 1931.
وبعدها أصبحت أنظمة التبريد المنزلية أكثر إحكاما عندما حصل كل من إتش إتش شولتز وجيه كيو شيرمان على براءة اختراع لوحدة تكييف هواء يمكن وضعها على حافة النافذة في عام 1932، ومع ذلك لم يتم شراء هذه الوحدات على نطاق واسع بسبب تكلفتها العالية.
بعد ذلك قام المهندس هنري جالسون بتطوير نسخة مضغوطة وبأسعار معقولة من مكيف هواء النافذة، وتم إنشاء خطوط إنتاج للعديد من الشركات المصنعة، وهذا جعل تكييف الهواء في متناول أصحاب المنازل دون الحاجة إلى أنواع باهظة الثمن، وبحلول عام 1947، تم بيع 43000 من هذه الأنظمة.
وفي أواخر الستينيات، كانت معظم المنازل الجديدة في أمريكا مزودة بتكييف مركزي، وأصبحت مكيفات هواء النوافذ ميسورة التكلفة أكثر من أي وقت مضى، ما أدى إلى النمو السكاني في الولايات ذات الطقس الحار مثل أريزونا وفلوريدا.
تأثير تكييف الهواء على المجتمع
كان لتكييف الهواء تأثير كبير على المجتمع، على سبيل المثال، دعنا نلق نظرة على التحسن الذي طرأ على الصحة العامة نتيجة لتكييف الهواء.
في الماضي، كان الناس أكثر عرضة للمعاناة من ضربة الشمس أو غيرها من الأمراض عندما تصل درجات الحرارة إلى مستويات عالية، وقد ساعد تكييف الهواء في منع ذلك عن طريق الحفاظ على برودة المنازل والمكاتب أثناء الظروف الحارة.
وبالإضافة إلى تحسين صحتنا الجسدية، فإن تكييف الهواء له أيضًا فوائد اقتصادية للمجتمع ككل على سبيل المثال:
- يسمح للشركات بالعمل بفاعلية على مدار العام وهذا يعني أنه يمكنهم إنتاج السلع في جميع أوقات السنة.
- يتمكن الأشخاص من العمل لساعات أطول إذا كانوا يشعرون بالراحة الكافية التي توفرها ميكفات الهواء داخل مكان عملهم.
- يتيح تكييف الهواء الاستمتاع بالأنشطة الداخلية مثل مشاهدة التلفزيون والطهي والنوم براحة.
ورغم كل هذه التأثيرات الإيجابية فإن مكيفات الهواء لها أيضًا تأثير سلبي كبير على البيئة، حيث يستهلك تكييف الهواء كمية كبيرة من الطاقة، مما يساهم في تغير المناخ، وأدى الاستخدام المتزايد لتكييف الهواء إلى زيادة استهلاك الطاقة، مما أدى إلى زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة.
مستقبل التكييف
مستقبل تكييف الهواء مشرق، فهناك العديد من التطورات التكنولوجية التي ستستمر في تحسين حياتنا وجعلها أكثر راحة، مثل المنازل الذكية، وأجهزة التحكم الصوتي، والأجهزة القابلة للارتداء، كما أن لدينا أيضًا مخاوف بيئية تدفعنا إلى استخدام كفاءة استخدام الطاقة كوسيلة لتقليل بصمتنا الكربونية على الكوكب.
لذا فمن المرجح أن يتضمن مستقبل تكييف الهواء تطوير تقنيات أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وأكثر استدامة تعمل على الحد من التأثير البيئي لأنظمة التبريد مع الاستمرار في توفير التبريد الفعال، وفيما يلي بعض الاتجاهات التي قد تشكل مستقبل تكييف الهواء:
- أجهزة تكييف الهواء الذكية والمتصلة: يمكن التحكم في مكيفات الهواء المتصلة بإنترنت الأشياء عن بعد ويمكنها معرفة سلوك المستخدم وتفضيلاته لتحسين التبريد مع تقليل استهلاك الطاقة.
- أجهزة تكييف الهواء التي تعمل بالطاقة المتجددة: يمكن أن يؤدي استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية لتشغيل أنظمة تكييف الهواء إلى تقليل البصمة الكربونية لأنظمة التبريد.
- التبريد التبخيري: تستخدم تقنية التبريد التبخيري الماء لتبريد الهواء، مما يجعلها بديلًا أكثر كفاءة في استخدام الطاقة لأنظمة تكييف الهواء التقليدية.
- التبريد الطبيعي: يمكن لحلول التبريد الطبيعية مثل التبريد السلبي، والأسطح الخضراء، وأجهزة التظليل أن تقلل من الحاجة إلى التبريد الميكانيكي، مما يجعل المباني أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وأكثر استدامة.
وفي النهاية يعد تكييف الهواء أحد أهم الاختراعات على الإطلاق، فقد ساعدت مكيفات الهواء في بناء مدن أكثر راحة من أي وقت مضى، وهي مستمرة في تحسين نوعية حياتنا كل يوم.