في عصر تحكمه التكنولوجيا، أصبح العالم أكثر تواصلًا ولكن في الوقت ذاته أكثر عرضة للتهديدات. لا يقتصر الأمر على التهديدات الأمنية المعتادة، بل يشمل أيضًا فئة جديدة من الجرائم الإلكترونية التي تزداد تعقيدًا مع تطور التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي. فبينما توفر هذه التقنيات إمكانيات هائلة للتحسين والتطور، فإنها في الوقت ذاته تمثل أداة خطرة في يد المجرمين الذين يبتكرون أساليب جديدة لتزوير الحقائق وارتكاب الجرائم الإلكترونية.

على سبيل المثال، في أغسطس 2024، انتشرت صورة مزيفة لحادث تصادم ضخم على الطريق الدائري في جنوب القاهرة، حيث كانت الصورة مفبركة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتضخيم الحادث.

كما تسببت الجرائم الإلكترونية في مأساة أخرى تتمثل في حادث انتحار فتاة (17 عامًا) بعد تعرضها لابتزاز إلكتروني باستخدام صور مفبركة. كل هذه الأمثلة تبرز واقعًا جديدًا يتطلب ردًا سريعًا وفعالًا من الأفراد والمؤسسات على حد سواء.

كيف تحمي نفسك من تهديدات الذكاء الاصطناعي؟

يقول خبير أمن المعلومات أكرم المندوه في تصريحات خاصة لـ«المصري اليوم»: إن «التواصل مع الإنترنت أصبح يشكل خطرًا يهدد الأفراد بانتشار الجرائم الإلكترونية، حيث إن أي شخص يمكن أن يصبح ضحية للاختراق بمجرد الاتصال بالشبكة. وفي الوقت الحالي ازدادت تلك الجرائم تعقيدًا، خاصة مع انتشار تطبيقات وتقنيات حديثة، مثل الذكاء الاصطناعي، التي تُسهل عملية فبركة الصور والفيديوهات، مما يجعل اكتشاف الحقيقة أمرًا أكثر صعوبة».

ويضيف «المندوه» أنه يجب عدم النظر إلى هذه المشكلة على أنها تهديد فردي فقط، بل يمتد تأثيرها ليشمل المجتمع ككل. الشائعات والمعلومات المغلوطة التي يتم نشرها عبر الإنترنت تُشكل تهديدًا حقيقيًا للأمن العام.

«هذه الأخبار الكاذبة يمكن أن تؤدي إلى انتشار الفوضى والشائعات»، استكمل بها المندوه حديثه مُضيفًا أنها تهدد سمعة الأفراد والمؤسسات على حد سواء. في بعض الحالات يمكن أن تضر هذه الأكاذيب بمستقبل الأشخاص المهني أو حتى تقود إلى أزمات أكبر تؤثر على الأمان الداخلي للدول.

وأكد المندوه أن «ما يزيد من خطورة هذه الجرائم هو عدم وجود سيطرة كافية على استخدام التقنيات الحديثة في تزييف الحقائق، وبالتالي من الضروري أن يتعاون الأفراد والحكومات معًا لوضع حلول فعالة لمواجهة هذه التحديات. يجب أن تكون هناك حملات توعية شاملة حول كيفية حماية البيانات الشخصية، مع تشديد القوانين لمواكبة التطور التكنولوجي السريع، وتدريب الأفراد على كيفية التعامل مع هذه التقنيات لحماية أنفسهم من التلاعب».

ويختتم حديثه بأن تطور التكنولوجيا يحمل فرصًا وتحديات في الوقت ذاته. بينما يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي أن تكون أداة قوية في محاربة الجرائم الإلكترونية، فإنها تُستخدم أيضًا في التلاعب والتزوير. من هنا تكمن أهمية تكامل الجهود بين الأفراد، المؤسسات، والجهات الحكومية لمواجهة هذه التحديات عبر التوعية، والتقنيات المضادة، والتشريعات المتطورة، ويمكن حماية المجتمع من هذه الجرائم التي تهدد الأمان الرقمي والاجتماعي.

تقنيات لمكافحة الجرائم الإلكترونية

مع تزايد خطر الجرائم الإلكترونية، تتعدد الأساليب والتقنيات التي يمكن أن تحمي المستخدمين وتساعدهم على التصدي لهذه التهديدات. وفيما يلي بعض التقنيات الفعّالة:

التوعية الرقمية والأمن السيبراني

إحدى أهم الوسائل لحماية الأفراد من الجرائم الإلكترونية رفع مستوى الوعي حول كيفية التعامل مع الإنترنت بشكل آمن. يشمل ذلك التثقيف حول مخاطر النقر على الروابط المشبوهة، أهمية تحديث برامج الحماية، وكيفية التأكد من مصداقية المعلومات قبل تصديقها أو نشرها.

تقنيات الكشف عن الصور والفيديوهات المفبركة:

مع تطور تقنيات «التزييف العميق» (Deepfake)، أصبحت عملية تحديد الفيديوهات والصور المزيفة أمرًا بالغ الأهمية. يمكن استخدام أدوات مثل البحث العكسي للصور (Reverse Image Search) للكشف عن أصل الصور المفبركة وتحديد ما إذا كانت قد تم تعديلها أو فبركتها. هذه التقنيات تتيح للأجهزة الأمنية التحقيق بشكل أسرع وأكثر دقة.

التطبيقات المدمجة للكشف عن الأخبار المزيفة

الحلول التقنية المتقدمة للكشف عن البرمجيات الخبيثة

مع ازدياد استخدام البرمجيات الخبيثة في ارتكاب الجرائم الإلكترونية، يعتمد المتخصصون على برامج فحص شاملة يمكنها اكتشاف الفيروسات والبرمجيات التي قد تستخدم لاختراق الأجهزة والوصول إلى بيانات حساسة. كما تتضمن بعض التقنيات الحديثة القدرة على تتبع المحاولات المريبة لاختراق الحسابات أو سرقة المعلومات.

التشريعات القانونية والتعاون الدولي

إن تنظيم حملات توعية حول القوانين الخاصة بالجرائم الإلكترونية يُعد خطوة هامة في مكافحة هذه الظاهرة. يقتضي الأمر أيضًا تحديث التشريعات الحالية بما يتماشى مع التطور التكنولوجي السريع، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الدولي لمواجهة التهديدات العابرة للحدود. هذا يشمل فرض عقوبات أكثر صرامة على مرتكبي الجرائم الإلكترونية.

التثقيف القانوني والتربية الرقمية

من الضروري أن يتم توعية الأفراد بما يتعلق بحقوقهم القانونية على الإنترنت وكيفية حماية معلوماتهم الشخصية. كما يجب تدريب الشباب على استخدام الإنترنت بشكل مسؤول، مما يمكنهم من التمييز بين المعلومات الصحيحة والمزيفة.

تقنيات الذكاء الاصطناعي المضادة

يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للكشف عن الأنماط المختلفة في البيانات ومعالجة الصور والفيديوهات المحرفة. ويمكن دمج هذه الحلول في تطبيقات لتحديد الحسابات المزيفة أو الأخبار الملفقة بشكل تلقائي.