
في قلب كرداسة، التي شهدت أحداثًا عصيبة وحملات أمنية شديدة، يظل اسم الشهيد عامر عبد المقصود نائب مأمور قسم كرداسة، حكاية ترويها الأجيال بشرف وفخر.
ـ شهيدٌ دفع حياته ثمناً من أجل حماية الأرض والعرض، ومن أجل الأمن الذي ينعم به الوطن.
استشهد بعد اقتحامٍ مفاجئ للقسم، عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، ولكنه مازال حيًا في ذاكرة كل من عرفه، وفي قلب كل مصري ينتمي إلى هذا الوطن الطاهر.
كان عامر عبد المقصود، ذلك الضابط الذي اختار أن يقف في الصف الأول، ليس فقط في مواجهة المعتدين، بل في مواجهة من يريدون زرع الخوف في قلوب المصريين. "الرجولة ليست في القوة فقط، بل في القدرة على تحمل المسؤولية مهما كانت التضحيات"، كانت هذه إحدى مبادئه التي عاش عليها، وكان كل لحظة في حياته تشهد على إيمانه العميق برسالته.
تدور الأيام حول الساعة التي انتهت فيها حياة عامر عبد المقصود، لكنها لم تنتهِ في القلوب، ففي صباح يوم من أيام أغسطس 2013، بعد فض اعتصام رابعة، اقتحمت مجموعة مسلحة قسم كرداسة، وفي تلك اللحظات الحرجة، وقف عامر بكل شجاعة، كانت السماء مليئة بالغضب، لكنه كان ثابتًا، في قلب المعركة، يواجه الموت برباطة جأش. لحظة من لحظات الوداع، كانت خاتمة جسده على الأرض، لكن روحه سكنت في قلوب الجميع.
في الحديث عن آخر لحظات عاشتها زوجة الشهيد، تتوقف الكلمات وتذرف الدموع. "كان عامر لا يعرف المساومة على الواجب. كان دائمًا يقول لي: 'في لحظة الخطر، نحن من نحمي الوطن، وهذا شرف لا يُقاس'. لم أتوقع أن يكون الوداع بهذه السرعة، لكنني أدركت أن شرفه في التضحية هو ما يجعله خالدًا". كلما كانت تحكي، كانت كلماتها تحمل وزنًا أكبر من الحروف. فقدان الشريك في الحياة يوازي فقدان وطن، لكنها رغم الحزن، تعلم أن روح عامر تظل تحميهم من بعيد.
أما والدته، فقد كانت تطوي جراحها في صمت، "عامر كان حلمي، وكان دائمًا يردد لي: 'لن أترك قسم كرداسة إلا وأنا في خدمة الوطن'، كنت دائمًا أدعو له بالحماية، لكن ما حدث كان قدرًا، ومع ذلك أشعر أنني ما زلت أراه، يبتسم في وجوهنا، في كل زاوية من زوايا منزلنا". كلماتها تحمل وقارًا واعتزازًا، تجعل كل من يستمع لها يدرك عظمة الشهداء الذين لا يعرفون التراجع في لحظات الشدة.
ظل اسم عامر عبد المقصود يتردد في أرجاء كرداسة وفي قلوب المصريين، فمع كل ذكرى تمر، تتجدد اللحظات التي شهد فيها البطل استشهاده، وتظل روحه تتنفس في الأحياء، هناك شيء أكبر من الشهادة، شيء يتجاوز الكلمات، وهو أن الشهيد يبقى على قيد الحياة في ذاكرة من ضحى من أجلهم.
في كل عام، في ذكرى استشهاده، تبقى قصة عامر عبد المقصود حية، ترويها الأمهات لأبنائهن، والآباء لأبنائهم. "لن ننسى تضحياتك يا عامر، ففي كل خطوة نخطوها، أنت هناك، في أماننا، وفي كل يوم، نرفع رؤوسنا فخرًا بك".
عامر عبد المقصود، الرجل الذي لم يُهزم، ولا تمحى صورته من الذاكرة. هو واحد من أولئك الذين يبقون فينا، في كل لحظة نعيشها، وفي كل طيبة وحق نتمسك بها.
في قلب هذا الوطن الذي لا ينسى أبنائه، يظل شهداء الشرطة رمزًا للتضحية والفداء، ويختصرون في أرواحهم أسمى معاني البذل والإيثار، رغم غيابهم عن أحضان أسرهم في شهر رمضان، يبقى عطاؤهم حاضرًا في قلوب المصريين، فالوطن لا ينسى من بذل روحه في سبيل أمنه واستقراره.
هم الذين أفنوا حياتهم في حماية الشعب، وسطروا بدمائهم صفحات من الشجاعة والإصرار على مواجهة الإرهاب، هم الذين لم يترددوا لحظة في الوقوف أمام كل من يهدد وطنهم، وواجهوا الموت بابتسامة، مع العلم أن حياتهم ليست سوى جزء صغير من معركة أكبر ضد الظلام.
في رمضان، حين يلتف الجميع حول موائد الإفطار في دفء الأسرة، كان شهداء الشرطة يجلسون في مكان أسمى، مكان لا تدركه أعيننا، ولكنه مكان لا يعادل في قيمته كل الدنيا؛ فإفطارهم اليوم سيكون مع النبين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا.
مع غيابهم عن المائدة الرمضانية في بيوتهم، يظل الشعب المصري يذكرهم في صلواته ودعواته، تظل أسماؤهم محفورة في ذاكرة الوطن، وتظل أرواحهم تسكن بيننا، تعطينا الأمل والقوة لنستمر في مواجهة التحديات.
إن الشهداء هم الذين حفظوا لنا الأمان في عز الشدائد، وهم الذين سيظلون نجومًا مضيئة في سماء وطننا، فلهم منا الدعاء في كل لحظة، وأن يظل الوطن في حفظ الله وأمانه.