
في زحام الأضواء التي تسطع فوق القطبين، حيث يحكم الأهلي والزمالك قبضتهما على المشهد الكروي المصري، هناك نجوم اختاروا دربًا مختلفًا، طريقًا وعرًا لكنه أكثر نقاءً، بعيدًا عن ضجيج الديربي، وصخب الجماهير المنقسمة بين الأحمر والأبيض، هم أولئك الذين تحدّوا القاعدة، ورفضوا أن يكون المجد حكرًا على من ارتدى قميصي القلعتين، فكتبوا أسماءهم بأحرف من ذهب في سجلات الكرة المصرية دون أن يطرقوا أبواب الجزيرة أو ميت عقبة.
من ملاعب الأقاليم إلى المدرجات الصاخبة، من الفرق الطموحة إلى المنتخبات الوطنية، صعد هؤلاء اللاعبون درجات المجد بعرقهم، فجعلوا الجماهير تهتف لهم رغم غيابهم عن معترك القطبين، حملوا شرف التحدي، وواجهوا إرثًا ثقيلًا يربط النجاح بألوان بعينها، فكسروا القواعد وغيّروا المفاهيم، وأثبتوا أن النجومية لا تُصنع فقط في مصانع الأهلي والزمالك، بل قد تولد من شوارع المحلة، أو أسوار الإسماعيلي، أو على شواطئ الإسكندرية وبالقرب من ميناء بورسعيد، في شمال مصر وجنوبها، أو حتى بين جنبات أندية لم تعتد رفع الكؤوس، لكنها عرفت معنى صناعة الأساطير.
نجوم خارج القطبين.. حسني عبد ربه.. قيصر كتب اسمه بأحرف من ذهب في الكرة المصرية
في تاريخ كرة القدم، هناك لاعبون يمرّون مرور العابرين، وهناك من يُخلّدهم التاريخ كرموز لا تُنسى، وحين نتحدث عن العظماء، لا بد أن نذكر حسني عبد ربه، ذلك القائد الفذّ الذي لم يكن مجرد لاعب في المستطيل الأخضر، بل كان أسطورة تعيش في قلوب الجماهير، وأحد أخلص من ارتدوا قميص الإسماعيلي والمنتخب المصري.
وُلد القيصر في الأول من نوفمبر عام 1984، وبدأ رحلته مع الإسماعيلي وهو لا يزال فتىً يافعًا، فكان أصغر لاعب في الدوري المصري عندما توّج الدراويش بلقب الدوري موسم 2001-2002، رغم أنه لم يشارك وقتها، لكن القدر كان يُخبئ له مستقبلًا مشرقًا.
وفي عام 2002، ظهر للمرة الأولى بقميص الإسماعيلي أمام المنصورة، ثم خاض ثاني مبارياته أمام الأهلي، وسرعان ما لفت الأنظار بقدراته الفريدة، وكان أول أهدافه الرسمية بقميص الدراويش في شباك المقاولون العرب، ليبدأ رحلته نحو المجد.
حسني عبد ربه لم يكن مجرد لاعب وسط، بل كان مدفعجيًا من طراز فريد، وصاحب تسديدات صاروخية جعلته أحد أخطر اللاعبين في مركزه، بل إنه سجل أحد أجمل أهدافه في شباك الأهلي عام 2003 في مباراة انتهت بفوز الإسماعيلي 2-1، ليُتوج هذا الهدف كأفضل هدف في مرمى المارد الأحمر.
وفي عام 2006، دخل التاريخ عندما سجّل الهدف رقم 1500 في تاريخ الإسماعيلي، ليؤكد أنه أحد أعمدة الفريق عبر العصور. وفي 2007، اختير أفضل لاعب في الدوري المصري، ليواصل تثبيت أقدامه كأحد أساطير الكرة المصرية.
لم يكن بريق حسني عبد ربه مقتصرًا على الأندية، بل كان أحد أعمدة المنتخب المصري، حيث بدأ مسيرته الدولية مع منتخب الشباب عام 2003، وساهم في التتويج بلقب كأس الأمم الإفريقية للشباب تحت قيادة المعلم حسن شحاتة.
وانطلق بعدها ليُصبح أحد الأعمدة الأساسية للمنتخب الأول، وشارك في ثلاثية الفراعنة التاريخية، عندما توّج مع المنتخب المصري بـأمم إفريقيا أعوام 2006 و2008 و2010، وكان أحد أبطال نسخة غانا 2008، حيث اختير أفضل لاعب في البطولة، واحتل المركز الثاني في قائمة هدافي البطولة، كما تم اختياره ضمن التشكيلة المثالية لأمم إفريقيا.
بعد تألقه مع الإسماعيلي، خاض القيصر تجربة احترافية في ستراسبورج الفرنسي، حيث قدم مستويات رائعة، لكن القدر لم يمهله طويلًا، فهبط الفريق إلى الدرجة الثانية، ليعود مجددًا إلى بيته في الإسماعيلية رغم أن الأهلي كان قريبًا من ضمه، إلا أن عشقه للدراويش حال دون ذلك، ليظل القميص الأصفر هو الأوفى لقلبه.
لم يقتصر تألق عبد ربه على الملاعب المصرية، بل خاض تجارب ناجحة في الدوري الإماراتي والسعودي، حيث لعب مع أهلي دبي وحقق معهم الدوري الإماراتي وشارك في كأس العالم للأندية، كما أضاف إلى خزائنه لقب السوبر الإماراتي عام 2008.
وفي السعودية، ارتدى قميص اتحاد جدة، حيث زامل الأسطورة محمد نور، ثم انتقل إلى النصر السعودي، وكان من نجوم الفريق قبل أن يتعرض لإصابته الثانية بالرباط الصليبي، لتبدأ رحلته مع الإصابات التي أعاقت استمراره في الملاعب.
لم يكن حسني عبد ربه مجرد لاعب موهوب، بل كان أيضًا رمزًا للوفاء والعطاء، حيث اشتهر بأعماله الخيرية في الإسماعيلية، وساعد الكثير من الأسر الفقيرة، حتى أطلق عليه أهل مدينته لقب "حبيب الغلابة"، ليُثبت أنه ليس فقط نجمًا في الملاعب، بل أيضًا إنسانًا يحمل في قلبه حبًا لا حدود له لوطنه ومدينته.
الألقاب والأرقام.. تاريخ محفور في القلوبأفضل لاعب في كأس الأمم الإفريقية 2008، ثاني هدافي كأس الأمم الإفريقية 2008، أحد أعمدة المنتخب الفائز بثلاث بطولات متتالية في أمم إفريقيا (2006 – 2008 – 2010)، الهداف الخامس في تاريخ الإسماعيلي برصيد 54 هدفًا، لعب 91 مباراة دولية مع المنتخب المصري، سجل خلالها 15 هدفًا وصنع 9 أهداف.
في 16 يناير 2018، أعلن حسني عبد ربه اعتزال كرة القدم، ليُسدل الستار على مسيرة من العطاء والتألق، لكنه لم يبتعد كثيرًا عن عشقه للعبة، فاتجه إلى التحليل الرياضي، ليواصل تواجده في المشهد الكروي.
لقّبته الجماهير بالعديد من الألقاب، منها "القيصر، المدفعجي، حبيب الملايين"، لكنه سيظل في قلوب عشاقه أيقونة الإخلاص والوفاء، ذلك القائد الذي قاتل بشرف داخل الملعب، ورحل تاركًا خلفه إرثًا لا يُمحى في ذاكرة الكرة المصرية.