
فى زحام الأضواء التي تسطع فوق القطبين، حيث يحكم الأهلي والزمالك قبضتهما على المشهد الكروي المصري، هناك نجوم اختاروا دربًا مختلفًا، طريقًا وعرًا لكنه أكثر نقاءً، بعيدًا عن ضجيج الديربي، وصخب الجماهير المنقسمة بين الأحمر والأبيض، هم أولئك الذين تحدّوا القاعدة، ورفضوا أن يكون المجد حكرًا على من ارتدى قميصي القلعتين، فكتبوا أسماءهم بأحرف من ذهب في سجلات الكرة المصرية دون أن يطرقوا أبواب الجزيرة أو ميت عقبة.
من ملاعب الأقاليم إلى المدرجات الصاخبة، من الفرق الطموحة إلى المنتخبات الوطنية، صعد هؤلاء اللاعبون درجات المجد بعرقهم، فجعلوا الجماهير تهتف لهم رغم غيابهم عن معترك القطبين، حملوا شرف التحدي، وواجهوا إرثًا ثقيلًا يربط النجاح بألوان بعينها، فكسروا القواعد وغيّروا المفاهيم، وأثبتوا أن النجومية لا تُصنع فقط في مصانع الأهلي والزمالك، بل قد تولد من شوارع المحلة، أو أسوار الإسماعيلي، أو على شواطئ الإسكندرية وبالقرب من ميناء بورسعيد، في شمال مصر وجنوبها، أو حتى بين جنبات أندية لم تعتد رفع الكؤوس، لكنها عرفت معنى صناعة الأساطير.
محمد حازم.. فتى ذهبي حرمه الموت المبكر من حلم العالمية
هناك أسماء تبقى محفورة في ذاكرة كرة القدم، ليس فقط بإنجازاتها داخل المستطيل الأخضر، بل بروحها، وحب الجماهير لها، ووفائها لقميصها، محمد حازم، نجم الإسماعيلي في السبعينيات والثمانينيات، كان واحدًا من هؤلاء الذين عشقوا الكرة بإخلاص، وارتبطوا بناديهم حتى آخر لحظة.
وُلد محمد حازم عام 1960، ونشأ في شوارع شبرا، حيث كانت الكرة الشراب هي الملاذ الأول لكل طفل يعشق اللعبة. رغم أن الجميع من حوله، جيرانه وأسرته، رأوا أن مستقبله سيكون في أحد القطبين الكبيرين الأهلي أو الزمالك، إلا أن قلبه كان ينبض بحب الإسماعيلي، فرفض كل الإغراءات وأصر على ارتداء قميص الدراويش.
بدأت رحلة حازم مع الإسماعيلي بعد حرب 1967، عندما خضع لاختبارات الناشئين في مركز شباب الجزيرة، وانضم لفريق 14 سنة، وبعد ثلاث سنوات فقط، جاءت أولى مشاركاته مع الفريق الأول أمام السويس، لتنطلق مسيرة لاعب استثنائي.
تألق محمد حازم بسرعة الصاروخ، فبات أحد أهم نجوم الإسماعيلي، ليس فقط بمهاراته وأهدافه، بل بروحه القتالية، حتى أصبح أصغر لاعب يحمل شارة القيادة في تاريخ الكرة المصرية، حيث تولى قيادة الدراويش وعمره 21 عامًا فقط.
لم يكن قائدًا فحسب، بل كان هدّافًا بالفطرة، فتُوِّج بلقب هداف الدوري المصري مرتين، بعد أن سجل 11 هدفًا في موسمين متتاليين، ليصبح معشوق جماهير الدراويش وأحد أعمدة الفريق الأساسية.
لم تقتصر مسيرته الذهبية على الإسماعيلي فقط، بل ارتدى قميص منتخب مصر في عام 1980، وشارك في كأس الأمم الأفريقية 1986، التي توّج بها الفراعنة بالقاهرة، كما مثل مصر في بطولة البحر المتوسط بالمغرب، وخاض مع المنتخب 15 مباراة دولية، مقدمًا أداءً يعكس شخصيته القيادية وروحه القتالية.
بعيدًا عن الكرة، كان محمد حازم يحمل حبًا خاصًا للفنانة الراحلة شادية، وكانت أمنيته الأكبر رؤيتها يومًا ما، وكأن القدر كان يُمهّد لتحقيق حلمه، ففي مباراة بين الإسماعيلي والزمالك بالإسماعيلية، أهدر ركلتي جزاء، لكن الجماهير لم تكف عن الهتاف له حبًا في أدائه وروحه.
كان بين الحضور أمير سعودي، أعجب بحب الجماهير لحازم، فقرر مواساته بسؤاله عن الهدية التي يريدها، ولدهشة الجميع، لم يطلب مالًا أو سيارات، بل قال بكل براءة: "أريد فقط مقابلة شادية".
وبمعجزة من الأقدار، صادف أن مدير أعمال الأمير كان مدعوًا لحفل للفنانة شادية بحضور أبطال مسرحية ريا وسكينة، فقرر اصطحاب محمد حازم للحفل.
ورغم حزنه على خسارة فريقه، إلا أنه اقتنع في النهاية وذهب لرؤية معشوقته شادية، التي التقط الصور معها وتحدث إليها، ليعود بعدها مبتسمًا قائلاً: "بعد رؤية شادية، لن أطلب شيئًا آخر".
لكن القدر لم يُمهل محمد حازم ليكمل مسيرته الذهبية، ففي نوفمبر 1986، وبعد مباراة الإسماعيلي أمام غزل المحلة، كان على موعد مع مصيره المحتوم، حيث لقي حتفه في حادث سيارة على طريق الإسماعيلية، وهو في عمر 26 عامًا فقط.
رحل محمد حازم، لكن ذكراه لم ولن ترحل. سيظل اسمه خالدًا في ذاكرة الدراويش، سيظل القائد الصغير، والهداف الكبير، والعاشق الوفي. رحل مبكرًا، لكنه ترك إرثًا لا يُنسى من العطاء، والإخلاص، والحب لكرة القدم.