
نشر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء سلسلة فيديوهات توعوية بعنوان "الوعي الإعلامي للمواطنين في زمن الأزمات والحروب"، بهدف تعزيز ثقافة التعامل الواعي مع منصات التواصل الاجتماعي، وتوضيح أهمية التحقق من المعلومات وتمييز الترندات الإيجابية من السلبية، في ظل التأثير المتزايد لتلك المنصات على الرأي العام وتشكيل الوعي المجتمعي.
في هذا السياق، قدم الدكتور محمد فتحي، خبير المحتوى الإعلامي وأستاذ الإعلام بجامعة حلوان، رؤية تحليلية حول مفهوم "الترند"، موضحًا أنه يعكس حصيلة تفاعلات المستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي ويُظهر الموضوعات الأكثر تداولًا وانتشارًا، لكنه في الوقت ذاته لا يمكن الاعتماد عليه كمصدر موثوق للمعلومة، لأن ما يتصدر الاهتمام الرقمي قد يكون في كثير من الأحيان مفتعلًا أو مضللًا.
وتحدث الدكتور محمد فتحي عن نوعين رئيسيين من الترند، الأول هو الترند الإيجابي الذي يحمل في طياته قصصًا ملهمة وأحداثًا إنسانية تستحق التقدير، مشيرًا إلى نموذج الشهيد البطل خالد الذي أنقذ مدينة العاشر من رمضان من كارثة محققة حين قاد شاحنة وقود بعيدًا عن محطة بنزين لتجنب انفجارها، وهو ما يُعد مثالًا حيًا على ترند إيجابي يعكس القيم المجتمعية النبيلة ويحفّز على الإلهام والاعتزاز بالرموز الوطنية.
في المقابل، حذر من الترند السلبي الذي يُروّج للشائعات أو يحض على الكراهية والعنف، مؤكدًا أن كثيرًا من هذه الترندات تستند إلى أخبار ملفقة أو معلومات مفبركة، وضرب مثالًا على ذلك بالشائعة التي انتشرت مؤخرًا حول وفاة ستة طلاب في محافظة الإسكندرية بعد امتحان اللغة الأجنبية الثانية للثانوية العامة، والتي ثبت عدم صحتها ولم تصدر بشأنها أي بيانات رسمية موثوقة، مشددًا على أن الغرض من هذا النوع من الترندات هو إثارة مشاعر الغضب وزعزعة الاستقرار النفسي والاجتماعي.
وأشار الدكتور محمد فتحي، إلى أن خطورة الانسياق وراء الترندات تكمن في غياب التحقق من صحة المعلومات، وأن مجرد تكرار الحديث عن موضوع معين لا يعني بالضرورة أنه حقيقي، لافتًا إلى أن بعض الجهات قد تصنع وتروّج ترندات لخدمة أهداف محددة مثل تلميع شخصيات معينة أو نشر الفتن أو التحريض على الغضب والعنف المجتمعي.
وأكد أن السبيل الوحيد لضمان سلامة الوعي الجمعي هو الاعتماد على الأخبار والمصادر الرسمية والموثوقة، مشيرًا إلى أن المعلومات الدقيقة هي الركيزة الأساسية لحماية المجتمعات من التضليل والخداع. كما أشار إلى أن العصر الحالي يشهد تحوّلًا في أدوات الصراع، حيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أحد أبرز أدوات الحروب المعلوماتية، مؤكدًا أن من لا يُدرك هذه الحقيقة سيدفع ثمنًا باهظًا وقد يتعرض لتشويه الوعي والانخداع بما يُبث يوميًا من محتوى مزيف.
وأضاف أن الأجهزة الاستخباراتية حول العالم باتت تعتمد بشكل متزايد على المنصات الرقمية لنشر الأكاذيب وإثارة البلبلة، من خلال حملات تضليل ممنهجة تستهدف الأفراد والمجتمعات عبر التلاعب بالعواطف وبناء سرديات وهمية، مشيرًا إلى أن تقنيات "التزييف العميق" (Deep Fake) أصبحت أحد أبرز أدوات التضليل، حيث يتم إنتاج فيديوهات بأشخاص حقيقيين في مواقف مزيفة يصعب على العامة تمييز زيفها، مما يؤدي إلى تصديقها ونشرها دون وعي بخطورتها.
وحذر أيضًا من بعض المواقع الإخبارية التي تتعمد تقديم الأخبار بصياغات موجهة تحمل إيحاءات سلبية، مثل استخدام علامات التعجب أو التأكيدات غير المدعومة بمصادر، وهو ما يؤثر على المتلقي على مستوى اللاوعي ويُرسّخ لديه مشاعر سلبية تجاه بعض الوقائع أو القضايا.
وشدد على أن نقل المعلومات الكاذبة أو التفاعل معها حتى من خلال الإعجاب أو المشاركة يسهم في تضخيمها وتعزيز انتشارها عبر خوارزميات المنصات الرقمية، مؤكدًا أن مسؤولية التحقق من صحة الخبر تقع على عاتق كل فرد، وأن مجرد نقرة إعجاب قد تكون سببًا في ترويج كذبة تضر بالمجتمع بأكمله.
وأوضح الدكتور محمد فتحي أن الوقاية من التضليل تبدأ بالصبر قليلًا قبل اتخاذ قرار النشر أو المشاركة، داعيًا إلى التعامل بعقلانية وتروٍ مع المحتوى الرقمي، والتمييز بين الحقيقة والزيف، وعدم الانجرار وراء العناوين المثيرة التي تفتقر إلى المصداقية. كما أكد ضرورة تبني استراتيجية إعلامية استباقية تقوم على تقديم المعلومات الصحيحة والدقيقة، ومواجهة المواقع والمصادر التي تسعى إلى تشويه الحقائق من خلال تلوين الأخبار أو تقديمها في قوالب مضللة.
وأكد على أهمية التكاتف المجتمعي والإعلامي والتربوي لمواجهة هذه الظواهر، مشيرًا إلى أن الهدف النهائي لحملات التضليل هو تفكيك الثقة بين الفرد ومجتمعه، والتحكم في الوعي الجماعي، وهو ما وصفه بمفهوم "المتلاعبون بالعقول" كما ورد في كتابات المفكر هربرت شيلر، مؤكدًا أن الوعي هو خط الدفاع الأول لمواجهة هذا النوع من الحروب غير التقليدية.