زارت الدكتورة حنان بلخي، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، الأراضي الفلسطينية المحتلة، بهدف الوقوف على حجم الأزمة الصحية، التي وصفتها بأنها بلغت ذروتها في غزة وهي آخذةٌ في التصاعد في الضفة الغربية، وأضافت عنددما توليت منصب المدير الإقليمي في فبراير من هذا العام، كانت الأزمة في غزة قد وصلت بالفعل إلى مستويات كارثية، ولكن من المؤسف والمقلق بشدة أن الوضع ما زال يتدهور بسرعة شديدة حتى اليوم.
وأشارت إلى أنه خلال اجتماعاتها مع الشركاء وكبار مسؤولي الأمم المتحدة، كانت هناك رسالةٌ واضحةٌ، وهي أن منظمة الصحة العالمية وشركاءها في المجال الإنساني ملتزمون بالبقاء في غزة وتقديم الخدمات، وفي حين أن لدينا القدرة والموارد اللازمة للتخفيف من المعاناة الكارثية التي يواجهها سكان غزة، فإننا نفتقر إلى بيئة مواتية لتوسيع نطاق عملياتنا؛ لذا فإننا بحاجة إلى السلام وإلى ضمان وصول مستدام للمساعدات الإنسانية.
وتابعت؛ «على الرغم من كل الصعاب، تعمل فرق منظمة الصحة العالمية بلا كلل لإنقاذ الأرواح وإنعاش النظام الصحي في غزة واستعادة قدرته على العمل»، وأضافت أنه حتى الآن اشترت منظمة الصحة العالمية أدويةً ومستلزمات طبيةً بقيمة ثلاثين مليون دولار أمريكي، وقد تم تسليم تسعة وخمسين في المئة منها إلى قطاع غزة.
كما قدمت المنظمة الوقود للمستشفيات التي هي في أمس الحاجة إليه، وتواصل الجهود لتوفيره، وفي عام ألفين وأربعة وعشرين، قدمت الفرق الطبية الدولية للطوارئ، بتنسيق من منظمة الصحة العالمية، حوالي تسعمائة ألف استشارة طبية وأجرت خمسةً وعشرين ألف عملية جراحية.
كما دعمت منظمة الصحة العالمية وشركاؤها عمليات الإجلاء الطبي لأكثر من أربعة آلاف وتسعمائة وثلاثة عشر مريضًا إلى خارج غزة. وبالتعاون مع الشركاء، عملت أيضًا على إعادة تشغيل مجمع ناصر الطبي ومستشفى الشفاء واستعادة تقديم الخدمات المتخصصة؛ مثل غسيل الكلى، والرعاية الطارئة، والجراحة وجراحة العظام، ورعاية الحروق، وخدمات المختبرات ورعاية الأمومة والأطفال.
مع التأكيد على أن هذه الجهود لا يمكن أن تكون بديلًا لنظام صحي فعال، وهو ما تشتد الحاجة إليه في غزة اليوم، خاصةً في ظل ما يجابه تلك الجهود من عقبات وحالات الرفض والتأخيرات والمخاطر الكبيرة التي تهدد سلامة فرق «الصحة العالمية»، وإلى حين التوصل إلى حل مستدام لهذه الأزمة، سيظل عملهم يواجه تحديات جمةً.
يذكر أن نقص الوقود يعد أحد التحديات الرئيسية، كما أنه عنصر ضروري لاستمرار جميع العمليات الإنسانية بالمستوى المنشود، وخاصةً العمليات الصحية، ولقد تعرضت العمليات الصحية للمنظمة للخطر منذ إغلاق معبر رفح، الذي كان المنفذ الرئيسي لدخول الوقود إلى غزة، وبين 25 إلى 27 يونيو، لم يدخل غزة سوى مائة وخمسة وتسعين ألفًا ومائتي لتر من الوقود عبر معبر كرم أبوسالم، ليجري توزيعها على جميع القطاعات، بما في ذلك الصحة، وخدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، والتغذية، ومنذ ذلك الحين لم يدخل أي وقود إلى غزة.
وفي المقابل، يحتاج قطاع الصحة وحده إلى ثمانين ألف لتر من الوقود يوميًّا للإبقاء على مواصلة عمله بكامل طاقته، ويحتاج قطاع المياه والصرف الصحي وحده إلى سبعين ألف لتر من الوقود يوميًّا لتشغيل الخدمات الحيوية المتبقية، ونتيجةً لذلك، تعاني المستشفيات مرةً أخرى من نقص الوقود، الأمر الذي يهدد بتعطيل الخدمات الحيوية، بل إن الجرحى والمصابين يفقدون أرواحهم لأن خدمات الإسعاف تواجه تأخيرات بسبب نقص الوقود.
ويؤثر نقص الوقود أيضًا على الخدمات الأساسية للمياه والصرف الصحي مثل توصيل المياه، وضخ مياه الصرف الصحي، وجمع القمامة، ومن 15 إلى 23 يونيو، تلقى قطاع المياه والصرف الصحي أقل من خمسة في المائة من الوقود اللازم يوميًّا لتشغيل هذه الخدمات، ونتيجةً لذلك، اضطر مقدمو خدمات المياه إلى فرض قيود شديدة على فترات تشغيل آبار المياه الجوفية البلدية ومحطتي تحلية المياه العاملتين، الأمر الذي أدى إلى خفض إنتاج المياه بصورة أكبر.
يذكر أن نقص المياه المأمونة وعدم توفر خدمات الصرف الصحي يسهمان إسهامًا كبيرًا في انتشار الأمراض. ويتضح هذا الأمر في تلك الزيادة المقلقة في عدد البالغين والأطفال الذين يعانون من الأمراض المنقولة بالمياه مثل التهاب الكبد A، وأمراض الإسهال، والأمراض الجلدية، ولا بد من الحيلولة دون تفاقم ذلك الوضع، لما قد يؤدي إليه من عواقب وخيمة.
كما أن إغلاق معبر رفح الحدودي يحول دون حصول مرضى الحالات الحرجة على الرعاية الطبية المتخصصة التي يحتاجون إليها في خارج غزة، وفي حين جرى إجلاء عدد قليل من المرضى مؤخرًا عبر معبر كرم أبوسالم، فإنه لا يزال أكثر من عشرة آلاف مريض عالقين داخل القطاع بانتظار إجلائهم، ولذا، يجب إنشاء ممرات آمنة للإجلاء الطبي على وجه السرعة، من أجل ضمان المرور المستدام والمنظم والآمن وفي الوقت المناسب للمرضى ذوي الحالات الحرجة من غزة، وذلك عبر جميع الطرق الممكنة، ويشمل ذلك المرور عبر معبري رفح وكرم أبوسالم إلى مصر، وكذلك عبر الضفة الغربية والقدس الشرقية إلى بلدان أخرى متى اقتضت الحاجة.
وأضافت الدكتورة حنان بلخي، أن مدير مستشفى المقاصد في القدس الشرقية، أكد لها أن المرفق جاهزٌ لاستقبال ما يصل إلى مائة مريض من غزة بمجرد إجلائهم طبيًّا، مشيرا إلى أن المستشفى قادرٌ على تقديم الخدمات التخصصية لأكثر الحالات حرجًا وخطورةً، وينبغي أن يحصل المرضى في غزة على الرعاية الطبية التي يحتاجون إليها في الوقت المناسب، خاصةً أنها تتوفر بالفعل على بعد أقل من ساعة.