يشكل الذكاء الاصطناعي (AI) الآن أبرز أدوات التطور العالمي، ومعها تحول لجزء لا يتجزأ من التطورات العلمية الحديثة، ورغم الفوائد الكبيرة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي في مجالات متنوعة مثل الطب، التعليم، والصناعة، فإن قدراته الهائلة تحمل أيضًا مخاطر جسيمة، خاصة في مجالات الأمن الحيوي وتصنيع الأسلحة البيولوجية.
كيف يشكل الذكاء الاصطناعي تهديدًا في تصنيع الأسلحة البيولوجية؟
الذكاء الاصطناعي، وخاصة النماذج اللغوية الكبيرة، يمكن أن يساعد في تسهيل تطوير أسلحة بيولوجية بطرق غير مسبوقة. على سبيل المثال، كشفت دراسة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عن إمكانية استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي لتصميم فيروسات قاتلة قادرة على التسبب في أوبئة. يمكن لهذه النماذج أن تحدد طفرات جينية محددة لزيادة قدرة الفيروسات على الانتشار، وتوفر تفاصيل حول تصنيعها في المختبر.
الأمر الأكثر خطورة هو أن هذه النماذج تستطيع تقديم إرشادات لتجاوز العقبات التي قد تواجه الأفراد غير المتخصصين، مما يعزز احتمالية استخدامها من قبل جماعات خبيثة أو إرهابية. من هنا، يأتي القلق من استغلال هذه التكنولوجيا المتقدمة لأغراض ضارة.
حادثة أجهزة البيجر في لبنان نموذج على تسخير التكنولوجيا لأغراض مدمرة
في حادثة شهدها لبنان مؤخرًا، استُخدمت أجهزة اتصال مثل «بيجر» و«ووكي توكي» كمفجرات موقوتة، حيث انفجرت ثلاثة آلاف جهاز بشكل متزامن بعد تلقيها رسالة مشفرة، مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى. هذه الحادثة تُظهر كيف يمكن استخدام التكنولوجيا المتقدمة بطرق غير تقليدية ومدمرة، وهو ما يعزز المخاوف من إمكانيات تسخير الذكاء الاصطناعي لتطوير أسلحة بيولوجية أو كيميائية بطرق معقدة وغير متوقعة.
إذا كانت هذه الجماعات قد تمكنت من استخدام وسائل الاتصال الحديثة كأسلحة قاتلة، فماذا سيكون الوضع إذا امتلكت القدرة على استغلال الذكاء الاصطناعي لتطوير أسلحة بيولوجية؟ مثلما شهدت اليابان في التسعينيات مع جماعة «أوم شينريكيو» التي حاولت استخدام سلاح بيولوجي قاتل في هجماتها. لم تنجح حينها بسبب نقص المعرفة العلمية، ولكن في عصرنا الحالي، بفضل تقدم الذكاء الاصطناعي، يمكن لأي جماعة لديها وصول إلى هذه الأدوات أن تطور أسلحة مدمرة بكفاءة وسرعة أكبر.
كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز جهود تطوير الأسلحة البيولوجية؟
يقول خبير التكنولوجيا حسام الدين صدقي لـ المصري اليوم» أن التطورات الحديثة في نماذج الذكاء الاصطناعي، مثل نماذج (o1) التي أطلقتها شركة OpenAI، أثارت قلقًا كبيرًا حول إمكانياتها في تسهيل تطوير الأسلحة البيولوجية. هذه النماذج تتمتع بقدرات غير مسبوقة في التفكير وحل المسائل المعقدة، بل وتقديم خطط عملية لإعادة إنتاج عوامل بيولوجية خطيرة. وقد أظهرت تقارير أن هذه النماذج قد تساعد الخبراء في الهندسة البيولوجية في تطوير أسلحة مدمرة عن طريق توفير المعلومات الأساسية لتنفيذ هجمات بيولوجية، بدءًا من تحديد الفيروسات والبكتيريا وحتى طرق توزيعها.
وفي حين أن تنفيذ مثل هذه الهجمات يتطلب خبرات عملية، إلا أن قدرة الذكاء الاصطناعي على توليد هذه الخطط يجعل منها أداة خطيرة إذا وقعت في الأيدي الخطأ.
الربط بين حادثة البيجر والتطورات الحديثة في الذكاء الاصطناعي
حادثة تفجيرات أجهزة البيجر في لبنان تمثل إنذارًا بأن التكنولوجيا الحديثة يمكن أن تُستخدم بطرق غير تقليدية لتحقيق أهداف تدميرية، هكذا تطرق «صدقي» بالحديث لمخاطر استخدامات التكنولوجيا على حياة البشر مُتابعًا أن على الرغم من أن تلك الحادثة اعتمدت على تقنية بسيطة نسبيا، فإن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يأخذ هذا التهديد إلى مستوى أكثر خطورة.
ويتابع: إذا تخيلنا سيناريو يتضمن استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي لتصميم فيروسات معدلة وراثيًا أو بكتيريا مقاومة للعلاج، فإن هذا السيناريو يتجاوز بأشواط حادثة البيجر. يمكن أن تكون نتائج هذا الاستخدام أكثر فتكًا وتأثيرًا عالميًا، إذ إن مثل هذه الأسلحة لا تقتصر على موقع معين، بل يمكن أن تنتشر بسرعة مسببة أوبئة عالمية.
يمكن الحد من المخاطر؟
وعن المخاطر يضيف الخبير التكنولوجي أن مواجهة هذا التهديد المتزايد من تطور التكنولوجيا، يتطلب تعزيز التعاون الدولي وتحديث التشريعات لتنظيم تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات البيولوجيا. كما يجب على الحكومات والشركات تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي دفاعية للكشف عن أي تهديدات جديدة وتتبعها.
وتابع «صدقي» الأن من المهم أيضًا تعزيز الرقابة على سلسلة توريد المواد الجينية والتأكد من أن طلبات توليف الجينات تخضع لفحص دقيق. فالتطور في تقنيات التوليف الجيني يجعل من الممكن تصنيع فيروسات وبكتيريا معدلة وراثيًا بخصائص جديدة وخطيرة، ما يعزز من مخاطر هجمات بيولوجية إذا لم يتم تنظيم هذه العمليات بشكل صارم.
كذلك أوضح أن الذكاء الاصطناعي رغم كونه يمثل تطورًا هائلًا في التكنولوجيا الحديثة، إلا أنه يأتي أيضًا بتحديات كبيرة فيما يتعلق بالأمن البيولوجي. وسواء كانت حادثة تفجيرات البيجر في لبنان وحادثة جماعة «أوم شينريكيو» في اليابان، فهي تقدم دروسًا واضحة حول كيفية استغلال التكنولوجيا لأغراض مدمرة. ومع تزايد قدرات الذكاء الاصطناعي، يصبح من الضروري العمل على تطوير إجراءات صارمة لمنع استخدام هذه التكنولوجيا لأغراض تهدد الأمن العالمي.