أعلن باحثون من معهد «كارولينسكا» السويدي عن نتائج دراسة حديثة تكشف أن مؤشر كتلة الجسم (BMI) غير الطبيعي لدى الأطفال، سواء كان مرتفعًا أو منخفضًا، يمكن أن يؤثر سلبًا على وظائف الرئة في المستقبل.
ونشر الباحثون نتائجهم في دورية «The European Respiratory Journal»، إذ أكدت الدراسة أن هذا التأثير يمكن تجنبه إذا تم تطبيع مؤشر كتلة الجسم قبل سن البلوغ.
ويُستخدم مؤشر كتلة الجسم (BMI) كمقياس لتقييم الوزن بالنسبة للطول، ويحدد ما إذا كان الشخص ضمن الوزن الطبيعي أو يعاني من نقص أو زيادة في الوزن أو السمنة، حيث يُحسب بقسمة الوزن بالكيلوغرام على مربع الطول بالمتر، ويتضمن فئات مختلفة مثل نقص الوزن (أقل من 18.5) والوزن الطبيعي (بين 18.5 و24.9) وزيادة الوزن (بين 25 و29.9) والسمنة (30 أو أعلى)، ويمكن تطبيعه قبل سن البلوغ بإعادة الوزن إلى المعدل الطبيعي من خلال التغذية المتوازنة والنشاط البدني.
وبحسب الدراسة؛ يعاني واحد من كل عشرة أشخاص من ضعف في تطور وظائف الرئة خلال مرحلة الطفولة، ويؤدي إلى عدم الوصول إلى سعة الرئة القصوى في مرحلة البلوغ. مما يزيد من خطر الإصابة بمشاكل صحية خطيرة، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الرئة والسكري. ومن بين العوامل التي ترتبط بتأخر تطور وظائف الرئة هو الوزن والطول غير الطبيعي. يُعتبر مؤشر كتلة الجسم من أشهر المقاييس المستخدمة، إذ يأخذ في الحسبان الوزن، على الرغم من أنه لا يعكس بدقة توزيع العضلات والدهون في الجسم.
أوضحت الدراسات السابقة العلاقة بين مؤشر كتلة الجسم ووظائف الرئة بنتائج متفاوتة. ولكن أثبت الباحثون في السويد أن هناك بالفعل ارتباطًا عندما ينحرف مؤشر كتلة الجسم عن المعدل الطبيعي- في أي من الاتجاهين.
قال المؤلف الرئيسي للدراسة «غانغ وانغ»، والباحث في قسم العلوم السريرية والتعليم في مستشفى سودرشوكتست، معهد كارولينسكا في بيان صحفي حصلت «المصري اليوم» على نسخة منه: «في هذه الدراسة، وهي الأكبر حتى الآن، تمكنّا من متابعة الأطفال من الولادة حتى سن 24، مما يغطي كامل فترة تطور وظائف الرئة».
تم تقسيم المشاركين إلى مجموعات مختلفة حسب مؤشر كتلة الجسم، وبدأت الفروقات في الظهور منذ عمر السنتين. على عكس الأطفال ذوي مؤشر كتلة الجسم الطبيعي، أظهرت الدراسة أن الأطفال الذين استمروا في ارتفاع مؤشر كتلة الجسم أو زاد بشكل متسارع، لديهم وظائف رئة ضعيفة عند البلوغ، خاصة فيما يتعلق بانسداد تدفق الهواء في الرئتين.
يقول الباحث الرئيسي البروفيسور «إريك ميلين» أستاذ طب الأطفال في بيان صحفي حصلت «المصري اليوم» على نسخة منه: «المثير للاهتمام أننا وجدنا أن الأطفال الذين كان لديهم مؤشر كتلة جسم مرتفع في البداية، ولكن عاد إلى المعدل الطبيعي قبل سن البلوغ، لم يعانوا من ضعف في وظائف الرئة عند البلوغ»، مما يبرز أهمية النمو الصحي للأطفال في السنوات الأولى من حياتهم وخلال مراحل الطفولة والمراهقة.
تشير الدراسة إلى أن مؤشر كتلة الجسم المنخفض المستقر قد يكون مرتبطًا بوظائف رئة ضعيفة بسبب نمو غير كافٍ للرئتين. في هذه الحالات، لم يتم تطبيع مؤشر كتلة الجسم خلال فترة الدراسة.
أوضح «وانغ»: «كان التركيز على الوزن الزائد، ولكن يجب أن ننتبه أيضًا للأطفال الذين لديهم مؤشر كتلة جسم منخفض واتخاذ التدابير الغذائية اللازمة».
تتبعت الدراسة تطور وظائف الرئة لدى أكثر من 4000 طفل من الولادة وحتى سن 24 لفهم تأثير العوامل البيئية، الغذائية، والصحية على تطورهم، وتم قياس مؤشر كتلة الجسم مرارًا وتكرارًا خلال هذه الفترة، بمتوسط 14 قياسًا لكل طفل. وتضمنت الدراسة الحالية 3200 مشارك لديهم على الأقل أربع قياسات لمؤشر كتلة الجسم.
تم قياس وظائف الرئة وتدفق الهواء باستخدام تقنيات السبيورومتري، والتي تساعد الأطباء في تشخيص ومراقبة أمراض الربو والانسداد الرئوي المزمن، عند الأعمار 8 و16 و24، وتم أيضًا قياس وظائف الشعب الهوائية الأصغر في سن 24 عبر حجم النيتروجين الخارج. كما تم أخذ عينات بولية لتحليل المواد التي يتم استقلابها، بالتعاون مع «كريغ ويلوك»، أستاذ الطب البيئي في معهد كارولينسكا.
كشفت عينات البول من المجموعة ذات مؤشر كتلة الجسم المرتفع عن مستويات مرتفعة من نواتج استقلاب «الهستيدين»، الحمض الأميني الذي يحتاجه الجسم ولكن عند تحليله داخل الجسم ينتج عنه نواتج يمكن قياسها في البول وزيادة مستوياته قد تكون دليلًا على تغيرات في ظائف الجسم، مما يؤكد ملاحظات باحثين آخرين الذين وجدوا زيادة مماثلة لدى مرضى الربو وأمراض انسداد الرئة المزمنة.
يقول البروفيسور «ميلين»: «نرى هنا دلالات بيولوجية موضوعية للعلاقة التي اكتشفناها، حتى وإن لم نكن نعرف حتى الآن الرابط الجزيئي الدقيق بين مؤشر كتلة الجسم المرتفع والهستيدين وضعف تطور الرئة».
شدد الباحثون على أن هذه النتائج تعزز أهمية التدخل المبكر لضمان نمو صحي للأطفال، وأن الفحص الدوري لمؤشر كتلة الجسم يجب أن يصبح جزءاً أساسياً من الرعاية الصحية للأطفال.