بعد عقدين من النضال من أجل تحقيق العدالة بشأن الانتهاكات التي وقعت في سجن «أبو غريب» العراقي، أثمرت جهود المحامي شريف عقيل، من «تروي» يوم الثلاثاء عندما قامت هيئة محلفين اتحادية في ولاية فرجينيا بما لم يتم فعله من قبل: أمرت شركة أمريكية بدفع 42 مليون دولار لثلاثة رجال تعرضوا للتعذيب داخل سجن أجنبي.
شريف عقيل، 48 عاماً، من روتشيستر هيلز، يعمل في مكتبه القانوني في تروي ( محام مصري من عائلة عقيل)
وقد كرس جزءاً كبيراً من السنوات التسع الماضية لتمثيل معتقلي أبو غريب. وقد أعطاه المعتقل الحاج علي، الذي يظهر في الصورة الشهيرة للرجل المقنع الذي يقف على صندوق تخرج منه أسلاك كهربائية.
والأمر الجدير بالملاحظة هنا هو أن المدعين لم يكونوا أمركيين، بل عراقيين ، بائع فاكهة، وصحفي، ومدير مدرسة متوسطة ولم تحدث انتهاكاتهم على الأراضي الأمريكية، ورغم هذا فقد خلصت هيئة محلفين أمريكية إلى أن شركة مقاولات دفاع أميركية ينبغي أن تتحمل المسؤولية عن الانتهاكات التي تعرضوا لها، والتي تم التقاطها في صور ومقاطع فيديو مسربة صدمت العالم قبل عشرين عاماً ــ صور تضمنت معتقلين عراة ومغطين بأغطية في وضعيات هرمية بشرية، وسجناء مقيدين، وانتهاكات جنسية.
وخلصت هيئة المحلفين إلى أن الشركة لعبت دورًا في تلك الانتهاكات، والتي استغرقت سنوات من الجدل القانوني حتى تم الاستماع إليها في قاعة المحكمة الأمريكية.
وطبقا لموقع صحيفة «ديترويت فري برس»، الذى نشر القصة بقلم مراسلته تريزا بلاداس ،مع استعانة بمادة من« رويترز»، فان الأكثر أهمية هو الطريقة التي حارب بها المدعون هذه القضية وفازوا بها: فقد اعتمدوا على قانون يعود تاريخه إلى قرون مضت كان يستخدم في السابق لمقاضاة القراصنة الذين اختطفوا السفراء الفرنسيين.
وصرح محامي المدعين لصحيفة «فري برس» بعد وقت قصير من إعلان الحكم التاريخي: «لقد أرسلت هيئة المحلفين رسالة إلى العالم: إذا كنت تعمل باسم أميركا، فإن احترام الإنسانية أمر عالمي، سواء كنت أميركياً أو مواطناً من دولة أخرى».
بالنسبة للمحامي ، لم يؤكد الحكم إيمانه بأيديولوجية أميركا فحسب وقال أكيل: «إنه تأكيد على ما نؤمن به، ومدى صلاحنا »، مؤكداً: «الغرض من هذه القضية هو إظهار أنه سواء تعرضت للتعذيب في العراق، فإن القوانين الأميركية ستصل إلى الناس وستحاسبهم».
وتتعلق القضية الشهيرة بالانتهاكات التي وقعت قبل عقدين من الزمان داخل سجن« أبو غريب» في أعقاب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، عندما استأجرت الولايات المتحدة شركة لاستجواب السجناء المحتجزين داخل السجن، وفي نهاية المطاف ظهرت صور مروعة لسجناء عراة يتعرضون للإذلال على يد الشرطة.
كانت الشركة التي تم التعاقد معها لإجراء التحقيقات هي شركة «CACI Premier Technology Inc» ، التي تتخذ من فريجينيا مقراً لها، والتي طالما أنكرت تورطها في أي إساءة معاملة للمعتقلين العراقيين، ولم يتم توجيه اتهامات جنائية إلى أي من محققي «CACI» في هذه القضية، كما زعمت الشركة منذ فترة طويلة أنه لا يوجد دليل على مسؤوليتها عما حدث في أبو غريب.
وعلى وجه التحديد، زعمت شركة« CACI» أن المدعين فشلوا في ادعاء «اتصال واحد » مع موظف محدد في CACI، وبدلاً من ذلك، زعمت الشركة أن الرجال سعوا بشكل خاطئ إلى «تحميل المدعى عليهم في CACI المسؤولية عن سلوك الآخرين بناءً على نظرية المؤامرة المشتركة».
وفي بيان صدر يوم امس الأول الثلاثاء، قالت شركة «CACI» إنها تخطط للاستئناف، مؤكدة أن الشرطة العسكرية هي المسؤولة عن إساءة معاملة السجناء، وليس موظفيها.
وجاء في البيان: «لقد شعرنا بخيبة أمل شديدة إزاء الحكم"، كما جاء في البيان: «لقد تعرضت شركة CACI على مدى ما يقرب من عقدين من الزمان لارتباط سلبي طويل الأمد بالأفعال المؤسفة والمتهورة التي ارتكبتها مجموعة من الشرطة العسكرية في سجن أبو غريب من عام 2003 إلى عام 2004. وقد حوكم الأفراد المسؤولون عن هذا السلوك الفظيع عسكرياً وعوقبوا على الجرائم التي وقعت قبل أكثر من عقد من الزمان» .
وتابع البيان: «وللتوضيح لم يتم توجيه اتهامات جنائية أو مدنية أو إدارية إلى أي موظف في CACI في هذه القضية».
واختتم :« لم يشارك موظفو CACI في هذه الأحداث المزعجة، ولم يكن أي من موظفينا مسؤولاً عنهاولا يزال رأينا هو أنه لا يوجد دليل على وجود مؤامرة لإساءة معاملة المعتقلين، وسنواصل السعي لتحقيق العدالة من خلال استئناف هذا الحكم».
لكن المدعين العراقيين يؤكدون أن المحققين لعبوا أيضا دورا في إساءة معاملتهم، زاعمين أنهم تآمروا مع الشرطة العسكرية لما اسموه «تليين »المعتقلين من خلال تعريضهم للإساءة قبل استجوابهم.
وفي دعواهم القضائية، زعموا أنهم اعتقلوا دون سبب وتعرضوا لصدمات كهربائية، وجُردوا من ملابسهم وأُبقوا عراة، وتعرضوا للضرب بالهراوات، وهُددوا بالكلاب وأُجبروا على البقاء في أقفاص. وقال أحدهم إنه تعرض لاعتداء جنسي من قبل امرأة في السجن.
وزعموا أن موظفي شركة سي إيه سي آي "وجهوا وتسببوا في قدر كبير من التعذيب والانتهاكات الصارخة" في أبو غريب.
وفي النهاية، انحازت هيئة المحلفين إلى جانب المدعين.
لقد استخدمنا قانونًا قديمًا جدًا
ورفع «أكيل »هذه القضية غير المسبوقة بموجب قانون المسؤولية التقصيرية للأجانب، وهو قانون فيدرالي صدر عام 1789 يسمح للأجانب بالسعي إلى تحقيق العدالة في المحاكم الأميركية في حالة ارتكاب انتهاكات مختلفة للقانون الدولي. وقد صدر هذا القانون في وقت كان فيه القراصنة يختطفون سفراء من فرنسا، وكان الهدف منه تعزيز حسن النية لصالح أميركا. ولا يزال هذا القانون ساري المفعول حتى الآن.
وقال عقيل "لقد استخدمنا قانونا قديما للغاية"، مشيرا إلى أن أغلب اللاعبين المتورطين في الانتهاكات تمت محاسبتهم على أفعالهم. وأدين أفراد الشرطة العسكرية في محاكم عسكرية، لكن "الوحيدين الذين أفلتوا من العقاب هم المقاولون".
استغرق الأمر سنوات حتى تصل القضية إلى المحاكمة، حيث ناضلت CACI طويلاً لرفضها، وقامت بأكثر من 20 محاولة لرفض القضية، وعندما وصلت القضية أخيرًا إلى المحاكمة في أبريل 2023، لم تتوصل هيئة المحلفين إلى قرار.
ولكن أكثر من ذلك، كما قال، «هو توفير قدر من العدالة لعملائنا الذين جاؤوا إلى محكمة الولايات المتحدة لطلبها ».