شهد عام 2024 إنجازات علمية مذهلة في كشف أسرار شخصيات تاريخية، بفضل التقدم في تحليل الحمض النووي والتقنيات المتطورة، وأسهمت هذه الاكتشافات في إعادة صياغة بعض الروايات التاريخية وإثارة تساؤلات جديدة حول ماضينا.
رجل فيتروب: قصة مهاجر من العصر الحجري
تم العثور على بقايا «رجل فيتروب»، الذي عاش قبل 5200 عام، في مستنقع بشمال غرب الدنمارك عام 1915، حيث وُجدت بقاياه بجانب هراوة خشبية، مما يشير إلى وفاته بعنف، ومؤخرا استخدم العلماء تقنيات حديثة لتحليل مينا الأسنان والجير العالق بها، إضافة إلى كولاجين العظام، للكشف عن تفاصيل مذهلة حول حياته، وفقًا لتقرير نشرته CNN.
كان رجل فيتروب ينتمي إلى مجتمع صيادين وجامعين على الساحل الإسكندنافي، يعتمدون بشكل أساسي على الأسماك والحيتان، ومع ذلك، أظهرت التحليلات أنه انتقل في أواخر مراهقته إلى الدنمارك حيث تبنى نمط حياة زراعي، يتغذى على الأغنام والماعز، وتوفي في الثلاثينات أو الأربعينات من عمره، لكن أسباب مقتله لا تزال محل نقاش: هل كان تضحية بشرية أم ضحية حادث؟
ووصفه أندرس فيشر، الباحث في المشروع، بـ«المهاجر الحقيقي»، حيث تتبعت دراسته مراحل انتقاله بين أسلوبَي حياة مختلفين بشكل كامل.
رجل البئر: سر دفين في النصوص الإسكندنافية
في قلعة سفيريسبورغ النرويجية، أدى اكتشاف هيكل عظمي في بئر تعود إلى عام 1197 إلى ربط القصة بملحمة سفيريس النرويجية التي وصفت حادثة مشابهة؛ وباستخدام التأريخ بالكربون المشع، حُدد عمر البقايا بـ900 عام، بينما كشف التحليل الجيني أن «رجل البئر» كان يتمتع ببشرة متوسطة اللون، وشعر أشقر أو بني فاتح، وعيون زرقاء.
والمفاجأة الكبرى كانت أن نسبه لم يكن محليًا، بل يعود إلى منطقة جنوبية في النرويج، ويشير هذا الاكتشاف إلى أن الجثة تعود لجندي من جيش الغزاة، وأن الحصار أدى إلى هذه الحادثة.
وأشار مايكل مارتن، الباحث الرئيسي، إلى أن الجثة أُلقيت في البئر لتسميم المياه، وهذا الربط بين النصوص القديمة والأدلة العلمية يؤكد دقة بعض الروايات التاريخية رغم قدمها.
بيتهوفن: العبقرية والمعاناة
عاش الملحن الشهير لودفيغ فان بيتهوفن حياة مليئة بالأمراض التي أثرت على إنتاجه الموسيقي، وتوفي عام 1827 عن عمر يناهز 56 عامًا، تاركًا وراءه إرثًا موسيقيًا عظيمًا ورسائل عبّرت عن رغبته في فهم أمراضه.
وهذا العام، كشف تحليل متقدم لخصلات شعر بيتهوفن عن وجود مستويات عالية من الرصاص، الزرنيخ، والزئبق، مما يشير إلى تسمم مزمن ساهم في معاناته، ويعتقد الباحثون أن نظامه الغذائي الذي اعتمد على الأسماك من نهر الدانوب الملوث والنبيذ المحفوظ بالرصاص كان السبب الرئيسي.
وأشار ويليام ميريديث، الباحث في تاريخ بيتهوفن، إلى أن فهم معاناته الجسدية يمنحنا تقديرًا أعمق لارتباط تلك المعاناة بإبداعه الموسيقي، حيث تحمل سيمفونياته التي لا تزال تلهم الفرق الموسيقية في العالم في طياتها انعكاسًا لصراعاته الصحية والنفسية.
الأمير المفقود: لغز كاسبر هاوزر
كاسبر هاوزر، شاب غامض ظهر في نورمبرغ بألمانيا عام 1828، أثار الجدل لعقود، كان بالكاد قادرًا على التواصل، مما أدى إلى شائعات بأنه أمير مختطف من العائلة المالكة في بادن المعروفة الآن بجنوب غرب ألمانيا.
أجريت عدة تحليلات على العناصر التي يُعتقد أنها تخصه، لكن النتائج المتضاربة أخرت الوصول إلى الحقيقة؛ هذا العام، أُجري تحليل جديد لعينة من شعره، أثبت أن حمضه النووي الميتوكوندري لا يتطابق مع أفراد عائلة بادن المالكة، مما دحض فرضية أنه أمير مختطف.
ورغم حل هذا اللغز، لا تزال هوية هاوزر الحقيقية غامضة، حيث نقش على شاهد قبره وصفه بـ«لغز عصره»، مما يعكس استمرار الجدل حول قصته.
عالم الفلك والكيميائي الغامض: تايكو براهي
إلى جانب كونه أحد أعظم علماء الفلك في القرن السادس عشر، كان تايكو براهي كيميائيًا يعمل بسرية تامة لصالح الإمبراطور الروماني رودولف الثاني، ودُمّر مختبره بعد وفاته، لكن شظايا زجاج وفخار استُخرجت من موقع مختبره كشفت عن استخدامه لعناصر نادرة مثل التنجستن، الذي لم يكن مكتشفًا في عصره، وهذا الاكتشاف يثير تساؤلات حول مهارات براهي المتقدمة في الكيمياء وقدرته على عزل العناصر دون أدوات حديثة.
إرث جديد لرسومات كيبلر
في عام 1607، رسم عالم الفلك يوهانس كيبلر مخططات للبقع الشمسية باستخدام كاميرا مظلمة، وهس أداة بسيطة تعكس صورة الشمس، ولكن ساهم تحليل حديث لهذه الرسومات في فهم دورة الشمس الممتدة لـ11 عامًا، وأكد أن الشمس كانت تمر بدورات منتظمة حتى خلال فترات كان يُعتقد فيها أنها غير نشطة، مثل الحد الأدنى لماوندر (1645-1715).
أسرار وفضائح استعمارية
في مارس، سلطت دراسة أجريت على بقايا هياكل عظمية باستخدام تقنيات جديدة لتحليل الحمض النووي الضوء على مصير أفراد عائلة أول رئيس للولايات المتحدة، جورج واشنطن.
تم دفن شقيق واشنطن الأصغر صموئيل، الذي توفي عام 1781، و19 عضوًا آخرين من العائلة في مقبرة في ملكية صموئيل بالقرب من تشارلز تاون، فيرجينيا الغربية، ولكن بعض القبور لم تكن تحمل علامات، على الأرجح لمنع سرقة القبور، بحسب العلماء.
وتمكنت الدراسة من تحديد هوية اثنين من أحفاده بالإضافة إلى والدتهما باستخدام تقنيات الحمض النووي، ورغم ذلك، لا يزال مكان دفن صموئيل نفسه لغزًا، وفي الوقت نفسه، كشف تحقيق منفصل عن القبور المجهولة التي عثر عليها في مستوطنة جيمستاون البريطانية في ولاية فرجينيا، عن فضيحة ظلت مخفية لفترة طويلة داخل عائلة أول حاكم للمستعمرة، توماس ويست.
قام الباحثون بتحليل الحمض النووي من هيكلين عظميين لرجلين داخل القبور، وكان الرجلان مرتبطين بويست من خلال نسب أمومي مشترك. أحد الرجلين، الكابتن ويليام ويست، ولد لخالة ويست العانس إليزابيث - وهو غير شرعي.
ووجد الباحثون أن تفاصيل ميلاد ويست تمت إزالتها عمداً من السجلات الأنسابية للعائلة في ذلك الوقت، مما يشير إلى أن سر نسبه الحقيقي هو ما ألهمه للإبحار عبر المحيط الأطلسي والانضمام إلى المستعمرة.
وفي النهاية تعيد هذه الاكتشافات رسم ملامح التاريخ، مما يضيف أبعادًا جديدة لفهمنا للأحداث والشخصيات التي شكّلت الماضي. مع كل تقدم علمي، تتزايد التساؤلات حول مدى تعقيد القصص التي لا تزال تنتظر الكشف عنها.